بسم الله الرحمن الرحيم
شذرات استراتيجية
كتب. مصطفى بن خالد
27/12/2024
اليمن بين براثن الفساد والمحسوبية
كيف قادت الأحزاب السياسية البلاد إلى الهاوية؟
في بلد أنهكته الحروب وأغرقتْه الأزمات، يقف اليمن اليوم على حافة الانهيار الشامل، بعد عقود من الهيمنة السياسية القائمة على الفساد والمحسوبية.
أحزابٌ تتنافس في ظاهرها على خدمة الوطن، لكنها في جوهرها تتقاسم المصالح والمناصب، متجاهلة معاناة الشعب الذي يرزح تحت وطأة الفقر والجوع والنزوح.
الفساد والمحسوبية:
العمود الفقري للسلطة
منذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990، تحولت الأحزاب السياسية إلى منصات لتقاسم موارد الدولة ومناصبها، بعيداً عن الكفاءة والجدارة. أصبحت الوزارات ملكية خاصة للقيادات الحزبية، وتحولت الوظائف الحكومية إلى غنيمة يتقاسمها المقربون، حتى المناصب الدبلوماسية، التي تُعد واجهة الدولة في الخارج، لم تسلم من هذه الآفة، إذ باتت تُمنح للأقارب ومن يدينون بالولاء المطلق.
قيادات متجذرة ووجوه لا تتغير:
بينما يتغير العالم بسرعة، تظل القيادات السياسية اليمنية جامدة في الزمن، وجوهٌ تشبثت بالسلطة لعقود، تدير المشهد بعقلية الإقصاء والاستبداد، لم تقدم هذه القيادات أي رؤية حقيقية لإنقاذ البلاد، بل ساهمت بشكل مباشر في تأجيج الصراعات القبلية والمناطقية والطائفية، ما زاد الأوضاع سوءاً.
الأحزاب والحروب:
شراكة مدمرة
الأخطر أن الفساد والمحسوبية لم يكونا مجرد نتائج عرضية، بل أدوات سياسية استُخدمت لتأجيج الحروب وضمان بقاء الأحزاب في السلطة. من الوظائف إلى العقارات، ومن البترول والغاز إلى الصفقات المشبوهة، كلها أضحت أدوات في اللعبة السياسية التي أودت بحياة الآلاف وشردت الملايين.
ديكتاتورية حزبية وشبابٌ مهمش:
إلى جانب الفساد، تعاني اليمن من قيادات حزبية متخشبة ترفض التجديد أو إفساح المجال للشباب. هذه القيادات، التي تجاوزت مدة وجودها في السلطة عقوداً، لا تلتزم حتى بأنظمتها الداخلية التي تنص على إجراء مؤتمرات عامة وانتخابات لتجديد الدماء، أما الشباب، الذين يمثلون أكثر من نصف المجتمع، فيواجهون تهميشاً ممنهجاً في ظل هيمنة كبار السن على السلطة دون تقديم أي حلول تُخرج البلاد من أزماتها المتفاقمة.
الجماعات الدينية المسيسة:
فساد باسم الدين
لم يتوقف الأمر عند الفساد المالي والسياسي، بل تم الزج بالدين في الصراعات، استغلت الجماعات الدينية المسيسة شعارات الإيمان والجهاد لتبرير مصالحها، حيث وُزعت المناصب على أتباعها، واستُخدم الدين كأداة للشرعنة والقمع. الأخطر أن المال العام استُنزف في شراء الولاءات وتمويل الصراعات، في حين تحول الدين إلى مبرر للقتل والترهيب، بدلاً من كونه مصدراً للسلام.
الدور الخارجي:
شريك في الجريمة
لا يمكن إغفال دور السفارات الأجنبية والقوى الدولية والإقليمية في تأجيج الأوضاع. غالباً ما كان الدعم الخارجي يُمنح بلا شروط واضحة، مما أتاح للأحزاب استخدام هذه الموارد لتعزيز نفوذها، بدلاً من تحسين حياة الشعب اليمني.
الثمن الذي دفعه الشعب:
اقتصادياً:
تراجع مستويات المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة مع انهيار العملة وغياب فرص العمل.
اجتماعياً:
تفكك النسيج الاجتماعي وظهور العصبيات القبلية والمناطقية والطائفية.
سياسياً:
تحولت الدولة إلى ساحة صراعات بين الأحزاب وقوى لا تسعى إلا لتحقيق مصالحها الخاصة.
الأمل في التصحيح:
هل هناك طريق للخلاص؟
رغم قتامة المشهد، لا يزال هناك أمل. يبدأ الحل بإرادة سياسية حقيقية تكسر الحلقة المفرغة من الفساد والمحسوبية. يتطلب ذلك تعزيز الشفافية، وتفعيل المساءلة، ودعم منظمات المجتمع المدني. كما يجب أن يرتبط الدعم الدولي بإصلاحات ملموسة، مع فرض عقوبات على القادة المتورطين في الحرب والفساد.
على المستوى الوطني، فإن الحل لا يمكن أن يتحقق دون وقف شامل وفوري للأعمال العسكرية، وفتح حوار وطني يُفضي إلى مصالحة شاملة وعادلة. هذه المصالحة يجب أن تكون بعيدة عن التدخلات الخارجية، تضمن مشاركة جميع الأطراف دون استثناء، وتعتمد على مبادئ العدالة والإنصاف.
إجراءات مقترحة للتقويم والخلاص:
1- تجديد القيادات الحزبية:
إلزام الأحزاب بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
2- محاربة الفساد:
إنشاء أجهزة رقابية مستقلة وإخضاع الفاسدين للمساءلة.
3- تحييد الدين عن السياسة:
إبقاء الدين بعيداً عن الصراعات والمناصب.
4- تمكين الشباب:
إشراك الشباب في صنع القرار السياسي.
5- تعزيز الوعي الشعبي:
إشراك المجتمع في مكافحة الفساد والمطالبة بحقوقه.
6- إجراء مصالحة وطنية:
وضع آليات تضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل اليمن بعيداً عن الإقصاء أو التدخلات الخارجية.
الخاتمة:
اليمن يستحق قيادات نظيفة وواعدة
اليمن اليوم في مفترق طرق، إما أن يتحرر من قبضة الفساد والمحسوبية، أو يظل رهينة للصراعات والانقسامات،الأمل في التغيير يبدأ من إرادة شعبية قوية وقيادات جديدة تعمل لصالح الشعب، لا ضده.
اليمن العظيم يستحق الأفضل، ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة بناء قيم الشرف والعدالة والوطنية الحقيقية، عبر مصالحة وطنية تنهي النزاعات وتوحد الصفوف من أجل مستقبل مشرق ومستقر.
0 تعليق