من كييف إلى طهران الجغرافيا تصرخ أيهما يسقط أولاً يا موسكو

من كييف إلى طهران الجغرافيا تصرخ أيهما يسقط أولاً يا موسكو

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

 

الحدود الجنوبية في خطر … وإيران جدار الحماية الأخير

 

بعد أن خسرت روسيا حلفائها التقليدين في اليمن والعراق وليبيا وسوريا، وبينما تتسابق كاميرات العالم لتوثيق ألسنة اللهب في كييف، تتجاهل معظم العواصم – وربما موسكو نفسها – حقيقة أكثر رعباً :

الخطر القادم ليس من الغرب وحده، بل من الجنوب الشرقي، حيث يتصدع جدار إيران، آخر خط دفاع صلب قبل أن تصبح روسيا عارية تماماً أمام أعين الناتو .

 

في عالم تتغير فيه التحالفات بسرعة الضوء، إيران لم تكن مجرد حليف سياسي لروسيا، بل امتداد طبيعي لحدودها الاستراتيجية – قلعة حارسة على أطراف قزوين، ومصدّ استخباراتي حيوي يحجب الريح القادمة من الجنوب .

 

فإذا ما سقطت طهران بيد إسرائيل وأمريكا أو تفككت بفعل الحرب السيبرانية، فإن ما يُهدد موسكو لن يكون مجرد أزمة نفوذ … بل انكشاف جيوسياسي شامل من بحر قزوين إلى سهوب الفولغا .

 

ليست المسألة إيران وحدها … بل ما بعد إيران

 

إذا سقطت طهران :

 • سيصبح الحضور الإسرائيلي والأمريكي شرعياً ومقيماً على بوابة القوقاز .

 • ستُفتح خطوط التجسس الأمريكية عبر أذربيجان وبحر قزوين، وصولاً إلى أطراف داغستان .

 • ستخسر روسيا عمقها الآسيوي، ومعه القدرة على المناورة الاستراتيجية خارج حدودها المباشرة .

 

إن الجغرافيا، حين تنهار من الجنوب، لا ترحم الشمال .

ومن يتصور أن الحرب محصورة في أوكرانيا لا يفهم كيف تعمل الخرائط .

 

طهران ليست كييف … لكنها قد تصبح الخندق الأخير قبل أن تشتعل موسكو .

 

فكما أن سقوط كييف يطوّق روسيا من الغرب، فإن انهيار إيران يعني تطويقها من الجنوب، وفي الحالتين … تُكتب بداية النهاية لقوة أوراسية مستقلة .

 

النداء الجيوسياسي يقول لموسكو :

الجغرافيا تصرخ في وجه موسكو

لا تتركوا طهران تسقط …

جلأن الخراب الذي يبدأ من إيران، لا ينتهي قبل أن يطرق أبواب الكرملين .

 

في الوقت الذي تخوض فيه روسيا حرباً مفتوحة في أوكرانيا، ويتسابق الغرب لإحكام الطوق عليها من البحر الأسود إلى البلطيق، تلوح في الأفق أزمة أخطر من ساحة كييف : 

سقوط إيران، الحليف الجنوبي الصلب، وامتداد الجدار الدفاعي الروسي في عمق آسيا .

 

ليست إيران دولة معادية للولايات المتحدة فقط، بل هي – بالنسبة لموسكو – جدار الحماية الأخير قبل أن يُصبح جنوب روسيا مكشوفاً لمخابرات الناتو وأسلحة إسرائيل وأمريكا .

 

وسنقوم هنا بالسردها الدقيق، وفق تسلسل استراتيجي يكشف ما خفي، ويُضيء زوايا الحرب بعيون لا تغفل، وباسلوبٍ أكثر دراما وقوة :

 

الفصل الأول : 

إيران… 

الخط الأمامي غير المعلن لحرب روسيا الجيوسياسية

 

فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، أدركت موسكو أن واشنطن لا تسعى فقط للنفط أو “ الديمقراطية ” بل لتطويق روسيا عبر حلقات جغرافية خانقة .

 

كان سقوط بغداد مقدمة لإزاحة طهران .

 لكن الصبر الاستراتيجي الإيراني، والدعم الروسي – غير المعلن غالباً – نجحا في تأجيل هذا المخطط عقدين من الزمن .

 

اليوم، ومع تصاعد التهديدات الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران، تعود روسيا إلى نقطة حرجة :

هل تقف متفرجة على إسقاط حليفها الأهم جنوب حدودها ؟

 أم تواجه الغرب بجبهة جديدة ؟

 

الفصل الثاني : 

جغرافيا بحر قزوين … 

من مياه مشتركة إلى ساحات استخبارية

 

تطل إيران على بحر قزوين، وهو ليس مجرد مسطح مائي داخلي، بل ممر استراتيجي حساس يربط روسيا بإيران وكازاخستان وتركمانستان وأذربيجان .

 

السقوط الإيراني سيحوّل بحر قزوين إلى منطقة رصد واستطلاع غربي دائمة، وقد يُفتح الباب أمام انتشار قواعد استخباراتية أمريكية في الشمال الإيراني، بل وحتى قواعد مسيّرات على بُعد مئات الكيلومترات فقط من داغستان وأستراخان .

إنها ليست إيران فقط، بل حدود روسيا ذاتها التي ستُكشف إذا ما تغير ميزان القوى في طهران .

 

الفصل الثالث : 

بعد إيران … 

فوضى آسيا الوسطى من جديد

 

من منظور الأمن القومي الروسي، إيران تمثل جدار صد استراتيجي يمنع انتقال الفوضى من الجنوب والشرق الأوسط نحو آسيا الوسطى – الفناء الخلفي الحيوي لروسيا .

أي انهيار في طهران سيفتح الباب لواحد من سيناريوهين :

 1- تحول إيران إلى قاعدة أمريكية ناعمة على حدود بحر قزوين .

 2- اندلاع فوضى داخلية تمتد إلى الجمهوريات الإسلامية المجاورة، ما يؤدي إلى إعادة تنشيط الحركات الجهادية والانفصالية في الشيشان، داغستان، وأوزبكستان .

 

بالنسبة للكرملين، هذا ليس “ سقوط نظام معادٍ للغرب ”، بل تهديد داخلي مباشر لسلامة الاتحاد الروسي .

 

الفصل الرابع : 

لعبة المصالح لا المبادئ … 

هل تساوم موسكو على طهران ؟

 

رغم وضوح الخطر، لا يزال الموقف الروسي من التصعيد ضد إيران غير معلن بشكل صارم .

فهل يمكن أن تساوم موسكو على إيران ؟

الجواب ليس مستحيلاً، لكنه محفوف بالمخاطر :

 • الكرملين قد يرى في انهيار إيران فرصة للتفاوض مع واشنطن على أوكرانيا أو العقوبات .

 • لكنه يخاطر بأن يخسر آخر حليف غير أوروبي مؤثر في عمقه الاستراتيجي .

 

المعضلة الحقيقية هنا أن الكرملين عالق بين خيارين : 

السقوط الناعم لإيران وما يتبعه من كوارث، أو مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في توقيت غير ملائم .

 

الفصل الخامس : 

هل تفهم طهران أنها جدار الحماية الروسي الأخير ؟

 

في المقابل، قد لا تُدرك إيران حجم موقعها في خارطة الأمن الروسي، أو ربما تراهن على حياد موسكو، مما قد يُسرّع من اختراقها أمنياً أو عزلها سياسياً .

 

لكن الحقيقة الأعمق هي :

إذا سقطت طهران، فالجولة التالية لن تكون في دمشق أو بغداد، بل في ديربنت، أو غروزني، أو ربما في قلب موسكو الاقتصادي جنوب بحر قزوين .

 

الخلاصة :

 من يصمد أولًا … 

طهران أم خاركيف؟

 

السؤال الجوهري الذي يواجه النخبة في الكرملين اليوم ليس عن أوكرانيا وحدها، بل عن إيران كعمق جيوسياسي حاسم .

قد تسقط خاركيف وتُستعاد لاحقاً،

لكن إذا سقطت طهران، فإن موسكو قد تستفيق يوماً على جبهات جديدة في القوقاز، وآسيا الوسطى، وحتى داخل جمهورياتها الفيدرالية الإسلامية .

 

إنها لحظة الحقيقة الروسية :

“ ادعم إيران الآن … 

أو استعد لاستقبال الفوضى عند أبوابك الجنوبية .”

 

حقيقة استراتيجية :

 

أي تفريط في بقاء إيران ليس مجرد خسارة لحليف إقليمي … بل هو تفريط صريح في حق الجغرافيا، وانتحار بطيء لمفهوم روسيا كقوة أوراسية مستقلة .

 

في الجيوبوليتيك، لا تُقاس التحالفات بعدد الاتفاقيات، بل بوزن الجدران التي تحمي العمق الاستراتيجي للأمة . 

 

وإيران، بما تمثّله من موقع، وشوكة، وممانعة، ليست دولة عادية في محيط روسيا الجنوبي، بل الخط الأخير الذي يفصل بين موسكو وبين عاصفة الأطلسي القادمة من الجنوب الشرقي .

 

إن سقوط طهران تحت نيران إسرائيل وأمريكا أو ضغوط الغرب لن يفضي فقط إلى تفكيك محور المقاومة، بل سيُعيد رسم الخرائط كما يشتهي “ الناتو ” :

 • من حدود القوقاز إلى بحر قزوين .

 • ومن آسيا الوسطى إلى عمق السهوب الروسية .

 • حيث لا يبقى من الخط الدفاعي سوى الريح .

 

وحدها إيران – بجغرافيتها، ونظامها الراديكالي، وخصومتها البنيوية مع المشروع الصهيوني – تشكّل سداً تاريخياً يحمي الخاصرة الجنوبية لروسيا من أن تتحول إلى ممر لحلف الناتو، أو إلى ميدان دائم للفوضى الأمريكية المدارة عن بُعد .

 

الرسالة واضحة :

 

الذي يساوم على طهران اليوم،

سيُقاتل وحده في القوقاز غداً، ثم يُحاصر في موسكو بعد غد .

 

ولهذا، فإن بقاء إيران ليس فقط مصلحة مشتركة …

بل إن إيران هي الجدار الأخير … 

وسقوطها يعني أن موسكو أصبحت مكشوفة .

ليس خياراً جيوسياسياً، بل اختبارٌ للوجود الروسي ذاته .

كلمات المفتاحية:

0 تعليق

أضف تعليقك

إلى الأعلى