صنعاء … قلب الحضارة ينبض بين الحجارة والنيران

صنعاء … قلب الحضارة ينبض بين الحجارة والنيران

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

صنعاء… ليست مجرد مدينة،

هي كائن حيّ، ينبض بالحياة حتى في أحلك اللحظات،

تقاوم القصف والحصار كما يقاوم الإنسان ذاته،

وتنتج الشعراء والمفكرين الذين يرسمون المستقبل على جدران الحاضر .

 

مدينة الأسوار والأبواب …

صنعاء ليست مجرد مكان، بل كائن حيّ .

 أسوارها، أبراجها، وأسواقها القديمة ليست جمالية عابرة، بل أدوات صمود، تحمي هوية اليمن من محاولات الطمس الثقافي والسياسي .

 كل زاوية فيها تحمل درساً استراتيجياً : 

القدرة على الصمود والتكيف مع الظروف، والاحتفاظ بالنور وسط الظلام .

 

المعمار … حارس للهوية

النوافذ الخشبية المزخرفة، والأبواب الحجرية المرسومة بأنماط هندسية متقنة، ليست زخارف فقط، بل رموز القوة الإنسانية التي تنبض في المدينة . 

 

هذه التحف المعمارية تُرشدنا إلى فهم عمق الثقافة اليمنية، حيث يلتقي الفن، الحياة، البخور، العطر، الجمال، القهوة، الثقافة، التراث، بالحضارة الموغلة في القدم .

 

ليست أبراج صنعاء القديمة جدراناً صامتة، إنها وثائق حجرية تحرس هوية اليمن، تقول للعالم إن الحضارة يمكن أن تُصاغ من الطين والحجارة كما تُصاغ من الذهب والمرمر .

 

النقوش على النوافذ، والأبواب المزخرفة، لم تكن للزينة فقط، بل رسائل سرّية تقول :

“ الهوية حصننا، والجمال استراتيجيتنا في مواجهة الفناء ".

 

برداً وسلاماً يا قلبي المعلّق في فضاءات السماء .

يا نجمةً تتدلّى من عرش الغيب، فلا يطالها الفناء .

برداً وسلاماً يا دمعتي التي تكسّرت كالياقوت على جبين الأرض والهواء .

 

برداً وسلاماً يا صنعاء…

يا أم الحكايات التي تفجر في دمي أملًا لا ينطفئ، يا كعبة الأدب الضاحي، ومرآة الزمان الممتد، حيث تتراقص ذاكرة القرون بين أسوارك، وتنحني الأبراج الحجرية احترامًا لكل من مر على دروبك .

 

كل نافذة خشبية منحوتة تحكي سرًا من أسرار مهارة اليمنيين، كل باب حجرٍ مرسوم بأنماط هندسية يقرأها من يعرف التاريخ …

هنا، المعمار ليس زخرفة، بل سلاحٌ يحمي الهوية، وصوت الصمت في الأزقة يصرخ بأنك صمود بلا تراجع .

 

صنعاء … برداً وسلاماً على ذاكرة الحضارة

برداً وسلاماً يا صنعاء …

يا مدينةً لا تسكنها الأحجار فقط، بل تسكنها الأرواح المضيئة .

 

يا عاصمةً ولدت من رحم الأساطير، وامتدت كجذور شجرةٍ أزليةٍ في قلب الجزيرة .

 

لم يطفئ القصف نورك، ولم يُحاصر التاريخُ صوتك،

فأنتِ الحكاية التي تقرأ نفسها عبر الزمن، وتعيد كتابة المستقبل وسط الرماد . 

 

برداً وسلاماً يا صنعاء … يا أمّاً لكل الحكايات، ويا كعبة الأدب الرفيع التي تفجر في الدماء أملًا لا ينطفئ. في كل حجر من حجارتك القديمة، وفي كل نافذة خشبية منحوتة بدقة، تتراقص ذاكرة القرون، تحكي عن عصورٍ من الفتوحات، والنهضات، والصراعات، حتى كادت النار أن تلتهمك مراتٍ ومرات، فأثبتت أنك أعمق من كل قصف، وأقوى من كل حصار .

 

صنعاء … أنتِ أعمق من كل حرب، وأجمل من كل قصف .

 

 فيك ينبض اليمن الحقيقي، فيك تختبئ أسرار القوة والصمود، ومنك ينبعث درس الإنسانية : 

أن الحضارة لا تُهزم، وأن الجمال لا يُمحى، مهما اشتدت الرياح، ومهما طال الظلام .

 

برداً وسلاماً يا صنعاء …

أنتِ الوجع . 

وأنتِ الدرس الأكبر في أن الجمال يمكن أن يُقاوم الحرب، وأن الحضارة أقوى من النيران .

 

منك نتعلم أن المدن العظيمة ليست حجارةً فقط، بل ذاكرةٌ حية، تتحدى الزمن،وتقول للعالم :

قد يسقط الجسد، لكن الروح لا تُهزم …

 

صنعاء … يا مصنع الأطفال الرجال

 

صنعاء يا مدينةً تصهر الطفولة في أتون المعاناة،

فتُخرِج منها رجولةً صلبةً لا تُقهر .

 

فيك يولد الطفل لا ليلهو بالدمى، بل ليحمل ذاكرة الأجداد، ويُحاور التاريخ .

 

يتعلم من أزقتك أن الخبز قد يأتي مع الطلقة، وأن الماء قد يُستخرج من صبر الأمهات .

 

صنعاء … يا مدرسةً لا تُدرِّس بالكُتب وحدها،

بل بالحجارة التي تُقاوم القصف، وبالأحلام التي تكبر رغم الحصار .

 

طفلك الذي يركض بين أنقاض بيتٍ مهدّم،

ويحلق فوق بركين الإجرام، لا يسقط منه الحزن، بل تنبت فيه عزيمة، كأنك تُخبّئين في كل جدارٍ مهدّم بذرة رجلٍ قادم .

 

يا مدينةً تحوِّل البكاء إلى شجاعة، والفقد إلى عزيمة،

والألم إلى قصيدة صمود .

 

أنتِ لستِ فقط مصنع الأطفال الرجال، بل مصنع الأمل الذي لا يُهزم، ومعمل الهوية الذي يُعيد صياغة الإنسان كلما أراد الزمن أن يمحوه .

كلمات المفتاحية:

0 تعليق

أضف تعليقك

إلى الأعلى