محسن خصروف … ضمير وطني في زمن الارتهان

محسن خصروف … ضمير وطني في زمن الارتهان

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

في زمنٍ تتناسل فيه الحروب من رحم الأجندات، وتُستبدل فيه الخنادق بالوصايات، ويُختطف فيه القرار الوطني بين مطرقة التحالفات وسندان الانقسامات، ينهض صوتُ اللواء محسن خصروف كقنديلٍ من نورٍ في ليلٍ كثيف.

 

صوتٌ لا تُغريه الشعارات ولا تُضلّله الضوضاء، بل يستمدّ شرعيته من نقاء الفكرة وعمق الانتماء؛ انتماءٍ لوطنٍ أراد له أن يكون سيدًا على أرضه، لا تابعًا في جغرافيا الآخرين.

 

لقد اختار خصروف أن يقف على الضفة الأصعب — ضفة الوعي الوطني الحر — حيث لا مكان للمجاملة ولا للسكوت عن الانحراف، وحيث الكلمة موقف، والموقف ثمن.

 

لم يكن جنديًّا يبحث عن نصرٍ عابر، بل مفكرًا استراتيجيًا يحمل رؤية للدولة قبل أن يحمل سلاحًا للدفاع عنها؛ يؤمن أن المعركة الكبرى ليست ضد عدوٍ خارجي فحسب، بل ضد قابلية الارتهان وضياع البوصلة.

 

وفي زمنٍ امّحت فيه الفواصل بين الحليف والوصي، وبين الدعم والتدخل، ظلّ خصروف يُعيد تعريف الوطنية بلغةٍ شجاعةٍ لا تعرف المواربة:

أن تكون يمنيًا يعني أن تمتلك قرارك، وأن تحيا بكرامتك، وأن تبني دولتك بجيشك، وشعبك، وإرادتك الحرة.

 

هكذا تجلّى خصروف — لا كمجرد قائدٍ عسكري، بل كـ ضميرٍ وطنيٍّ استراتيجيٍّ يقف على تخوم الفكرة والسيادة؛ يجمع بين صلابة الجندي، وحكمة المفكر، وشفافية المناضل الذي لم تفسده المناصب، ولم تُخدره الشعارات.

 

 

أولًا: الجندية كرسالة وليست وظيفة

 

لم يكن محسن خصروف من أولئك الذين يرون في البزة العسكرية امتيازًا شخصيًا، بل كان يراها عباءةَ تكليفٍ مقدّسٍ للدفاع عن فكرة الدولة.

في كلّ خطاباته وظهوره الإعلامي، ظلّ يذكّر بأن الجيش ليس مؤسسةً ميكانيكية، بل هو ضمير الجمهورية وحارس إرادتها الشعبية.

 

كان يرى أن أي جيشٍ يُصادر قراره من الخارج، يفقد روحه من الداخل؛ وأن السيادة لا تُستورد، ولا تُستعار، بل تُنتزع بإرادة المقاتلين الذين يعرفون لماذا يقاتلون ولأجل من.

 

لقد آمن خصروف بأن الجندية ليست طاعة عمياء، بل وعيٌ مُبصِر، وأن القائد الحقيقي هو من يرى في الميدان مشروع وطن لا مسرحَ نفوذ.

ومن هنا كانت فلسفته في أن النصر لا يتحقق بالبندقية وحدها، بل بالكرامة التي تحملها اليد التي تضغط الزناد.

 

 

ثانيًا: نقد الوصاية وإعادة تعريف التحالف

 

في سنوات الحرب العجاف، حين كانت الأصوات تُصفّق للوصاية باسم “التحالف”، وحين تحوّل الدعم إلى تقييد، والشرعية إلى تبعية، وقف محسن خصروف بشجاعةٍ استثنائيةٍ ليقول ما لم يجرؤ كثيرون على قوله:

 

“ التحالف العربي أتى لاستعادة الدولة، لا لاحتكار قرارها .”

 

لم تكن كلماته تمرّ مرور الكرام؛ لأنها لامست جوهر الأزمة اليمنية: 

أزمة القرار الوطني.

لقد أدرك أن طول الحرب لم يكن نتيجة الضعف العسكري، بل نتيجة إرادةٍ سياسيةٍ لم يُسمح لها بأن تكون يمنية خالصة.

 

انتقد بجرأةٍ ما اعتبره “تحويل الحرب إلى إدارة نفوذ”، محذرًا من أن جيشًا يُمنع من الحسم، وشعبًا يُمنع من تقرير مصيره، لا يمكن أن ينتصر، مهما بلغ الدعم من الخارج.

 

كانت تلك المواقف بمثابة صرخة ضميرٍ في وجه الصمت العام، دفعت ثمنها إيقافًا وتحقيقًا، لكنها كرّسته رمزًا للنزاهة الفكرية والصلابة الوطنية.

 

 

ثالثًا: رؤية الدولة والنظام الديمقراطي

 

لم يكن خصروف من الذين يغترفون من قاموس القوة وحده؛ فقد كان يؤمن أن الدولة لا تُبنى بالمدافع، بل بالمؤسسات، وأن الجيش في غياب الديمقراطية يتحوّل إلى سيفٍ في يد السلطة لا درعٍ للشعب.

 

لذلك ظلّ يدعو إلى إعادة تأسيس الدولة على قواعد العدالة الاجتماعية والمواطنة والنظام الجمهوري المدني.

 

كان يرى أن اليمن لا يمكن أن يُستعاد إلا بدولةٍ تُدار بإرادةٍ مدنيةٍ ديمقراطية، تُوازن بين القوة والسياسة، وتؤمن بأن الكرامة الوطنية ليست شعارًا، بل منهج حكمٍ ومسار وعي.

 

ومن خلال تجربته العسكرية والفكرية، دعا إلى بناء جيشٍ وطنيٍّ موحدٍ بعيدٍ عن التسييس والجهوية، جيشٍ يُعبّر عن كلّ اليمنيين ويحميهم جميعًا، لا جيشًا منقسمًا بولاءاتٍ متعددة.

 

 

رابعًا: خصروف كظاهرة فكرية وطنية

 

ما يميز محسن خصروف ليس فقط جرأته في الموقف، بل صفاؤه الفكريّ ووعيه التاريخيّ.

لقد مثّل نموذج “العسكري المفكر”، الذي يُمارس التحليل بعمق الأكاديمي، وينحاز إلى الوطن بحسّ المناضل.

 

خطابه يجمع بين الاستراتيجية والسيادة، بين النقد والولاء، بين العقل والوجدان.

لم يكن معارضًا لمجرد المعارضة، بل ناقدًا يُعيد تعريف الانتماء، ومؤمنًا بأن الوطنية ليست ضد أحد، بل لأجل الجميع.

 

لقد كانت رؤيته لليمن رؤيةً كليّة:

يمنٌ حرّ، موحّد، ديمقراطي، يمتلك قراره السياسي والعسكري، وينتمي إلى محيطه العربي من موقع الندّ لا التابع.

 

وفي زمنٍ صار فيه الصمت سياسةً، كان صوته ممارسةً للسيادة.

 

 

رسالة إلى الشباب

 

حماة المستقبل وصُنّاع الدولة

 

أيها الشباب،

أنتم القوة الحقيقية التي يُراهن عليها الوطن، وأنتم الامتداد الطبيعي لكل من آمن أن اليمن لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه وإرادتهم الحرة.

 

إنّ زمن الانتظار قد انتهى، وزمن المسؤولية قد بدأ. فالوطن لا يريد منكم الكلام، بل الفعل، لا الشعارات، بل المبادرة.

 

تعلموا من اللواء محسن خصروف أن الوطنية ليست وظيفة ولا شعارًا، بل التزامٌ ومسؤولية.

 

أن تكون وطنيًا يعني أن تُفكّر بعقلك، وتعمل بضميرك، وتقول الحقيقة مهما كان ثمنها.

 

يعني أن ترفض الوصاية، وأن تؤمن أن القرار اليمني لا يُستورد، بل يُصنع هنا… في عقولكم، وفي مواقفكم، وفي إصراركم على بناء الدولة.

 

أيها الشباب،

أنتم اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما:

إما أن تكونوا جيلًا يُكمّل مشروع الدولة، أو جيلًا يُعيد تكرار أخطاء الماضي.

اختاروا الوعي قبل الانفعال، والعمل قبل الشكوى، والوحدة قبل التنازع.

اليمن لن ينهض بالأحزاب ولا بالسلاح، بل بفكركم، وانتمائكم، ونزاهتكم.

 

اجعلوا من خصروف قدوةً في الشجاعة والوضوح، لا لأنه عارض أو صرخ، بل لأنه قال الحقيقة وهو يعلم كلفتها، ودافع عن القرار الوطني وهو يعلم أن الطريق طويل، لكنه الطريق الصحيح.

 

أيها الشباب،

ابنوا أنفسكم بالعلم، وقوّوا وعيكم بالقراءة، وحصّنوا ولاءكم بالوطن وحده.

كونوا أنتم من يُعيد لليمن كرامته، وللجمهورية معناها، وللعلم مكانه فوق كل بيتٍ ومدرسةٍ ومؤسسة.

 

واعلموا أن المستقبل لا يُعطى لأحد، بل يُنتزع بالإصرار، وأن من يملك وعيه يملك قراره، ومن يملك قراره يصنع تاريخه.

 

اليمن بانتظاركم…

فكونوا أنتم جيل الوعي، وجيل الدولة، وجيل الاستقلال الحقيقي.

 

الخلاصة : 

رجل الدولة لا رجل المرحلة

 

سيذكر التاريخ أن اللواء محسن خصروف لم يكن صوتًا عابرًا في ضجيج الحرب، بل بوصلة وعيٍ وطنيٍّ استثنائية، واجه بها تيارات الانقسام، ورفض بها أن يتحول الوطن إلى مشروع في دفتر المصالح الإقليمية.

 

لقد أدرك أن المعركة الحقيقية لا تُخاض بالسلاح وحده، بل بالكرامة، وبالوعي، وبالإيمان بأن الدولة فكرةٌ قبل أن تكون سلطة.

 

وحين يكتب المؤرخون عن زمن الارتهان، سيجدون في خصروف شاهدًا على أن في قلب العتمة كان هناك من ظلّ يُضيء.

 

فهو رجل الدولة لا رجل المرحلة، وضميرٌ وطنيٌّ نادرٌ في زمنٍ باع فيه الكثيرون صمتهم بثمنٍ بخس، وبقي هو وفيًّا لوطنٍ آمن به حتى النهاية:

 

“ اليمن أولًا … والسيادة لا تُستعان عليها، بل تُستعاد بها. “

كلمات المفتاحية:

0 تعليق

أضف تعليقك

إلى الأعلى