شذرات استراتيجية سوريا والسيناريوهات القادمة

شذرات استراتيجية سوريا والسيناريوهات القادمة

شذرات استراتيجية 

بسم الله الرحمن الرحيم 

كتب / مصطفى بن خالد 

لندن . 16/12/2024

سوريا والسيناريوهات القادمة 

 

1- السياق السوري: 

فرار الأسد وتداعيات اللحظة الواقع السياسي والعسكري:

أن السيطرة المفترضة للمعارضة يمثل نهاية مرحلة طويلة من الصراع السوري، ولكنه بداية لمرحلة أكثر تعقيداً. النظام السوري منذ 2011 تمحور حول تثبيت السلطة بأي ثمن، وتوظيف تحالفات خارجية (إيران، روسيا) للحفاظ على السيطرة. سقوط الأسد قد يعني تفكك ما تبقى من بنية الدولة، خاصة أن المعارضة المسلحة ليست كتلة واحدة موحدة بل خليط من الفصائل ذات المصالح المتضاربة.

 • الأخطار المحتملة:

غياب النظام الحالي قد يخلق فراغاً يُملأ بصراعات جديدة بين القوى الداخلية والخارجية. سوريا ليست حالة منعزلة؛ 

بل هي عقدة إستراتيجية تربط مصالح دولية متعددة (تركيا، إيران، روسيا، الولايات المتحدة، إسرائيل)، وكل طرف يسعى لإعادة تشكيل النظام بما يخدم أهدافه.

2- تكرار سيناريوهات الفوضى في العالم العربي:

 - أوجه التشابه مع العراق وليبيا واليمن:

الوضع السوري يتشابه إلى حدٍ بعيد بما حدث في العراق وليبيا واليمن. الدول التي شهدت ثورات أو تدخلات عسكرية غالباً انتهت إلى حالة من الفوضى العميقة بسبب:

 - غياب البديل السياسي القادر على إدارة الدولة.

 - تداخل المصالح الخارجية.

 - ضعف المؤسسات الوطنية، مما جعلها غير قادرة على الصمود أمام انهيار السلطة المركزية.

 

- دور القوى الدولية:

الدول الغربية التي دعمت الثورات غالباً ما تنسحب بمجرد إسقاط الأنظمة، تاركة فراغاً تستغله الميليشيات أو القوى الإقليمية. في سوريا، انسحاب القوات الدولية أو تقليص دورها قد يؤدي إلى مشهد مشابه لما حدث في ليبيا بعد سقوط القذافي.

 

3- التدخل الإسرائيلي وتداعياته

 - ضرب البنية العسكرية السورية:

لقد استغلت إسرائيل اللحظة لضرب المنشآت العسكرية في سوريا بالكامل سوءاً البرية أو البحرية أو الجوية. هذا السيناريو ليس جديداً، فقد استمرت إسرائيل خلال العقد الماضي في توجيه ضربات منتظمة لما تعتبره تهديدات إيرانية في سوريا. ومع سقوط الأسد، سعت إسرائيل لتعزيز نفوذها في الجولان وتقدمت مسافات في الأراضي السورية لفرض خطوط حمراء جديدة على النظام الجديد.

 - تجاهل دولي:

الصمت الدولي تجاه التحركات الإسرائيلية يعكس ازدواجية المعايير في السياسة العالمية، القوى الكبرى غالباً ما تتغاضى عن الانتهاكات الإسرائيلية مقابل مصالح استراتيجية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع في سوريا ويُضعف ثقة السوريين بأي دعم دولي.

 

4- الداخل السوري: 

تحديات ما بعد الأسد

 - تشرذم الفصائل المسلحة:

أن تعدد الفصائل المسلحة سيجعل من الصعب تحقيق استقرار سريع. هذه الفصائل تختلف أيديولوجياً وسياسياً، ونتمنى أن تتفق على رؤية موحدة لمستقبل البلاد وهذا الأمر صعباً وليس سهلاً .

 - القضية الكردية:

الأكراد يرون في سقوط الأسد فرصة لتحقيق استقلال أكبر أو حتى إقامة دولة خاصة بهم، هذا الأمر يشكل خطاً أحمر بالنسبة لتركيا، التي ستسعى بكل الوسائل إلى منع قيام كيان كردي مستقل على حدودها.

 - الدولة العميقة:

حتى مع رحيل الأسد وانتهاكاته الفضيعه بحق شعبه، فإنه يجب الانتباه إلى أن بقايا النظام القديم، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والعسكرية، قد تستمر في لعب دور سلبي، مما يعيق أي جهود لإعادة بناء الدولة.

 

5- التدخلات الدولية والإقليمية: 

 - إعادة تقسيم النفوذ:

الدول الكبرى والإقليمية (روسيا، الولايات المتحدة، تركيا، إيران) تسعى إلى تقسيم النفوذ في سوريا بما يضمن مصالحها. هذا قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للأراضي السورية أو على الأقل إلى وجود مناطق نفوذ شبه مستقلة.

 - الدور الإيراني والتركي:

إيران قد تقبل بانسحاب تكتيكي مقابل ضمان مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. تركيا ستسعى إلى تشكيل نظام جديد يضمن عدم قيام كيان كردي واحتواء اللاجئين السوريين الذين يشكلون ضغطاً داخلياً عليها.

 - الدور الروسي والأمريكي :

روسيا تسعى للحفاظ على موطئ قدم في سوريا من خلال ترتيبات مع النظام الجديد، بينما الولايات المتحدة قد تركز على منع عودة الإرهاب وضمان أمن إسرائيل.

6- الدروس المستفادة: 

هل يمكن تجنب السيناريو الأسوأ ؟

 - إدارة ما بعد الصراع:

أهم تحدٍ لسوريا اليوم هو بناء مؤسسات دولة جديدة قادرة على توحيد الفصائل المختلفة وضمان الحد الأدنى من الاستقرار. التجربة العراقية واليمنية والليبية تُظهر أن غياب هذه المؤسسات يؤدي إلى استمرار الصراع لعقود.

 - دور المجتمع الدولي:

على الدول الكبرى والمنظمات الدولية أن تتخلى عن سياسة “إسقاط الأنظمة ثم الانسحاب”. دعم سوريا يتطلب التزاماً طويل الأمد لإعادة الإعمار وبناء المؤسسات، مع تجنب التدخلات التي تخدم أجنداتهم الخاصة.

 - وعي الشعوب:

على السوريين أن يدركوا أن إسقاط الأسد ليس نهاية المعركة، بل بداية طريق طويل وشاق نحو بناء دولة جديدة. الوحدة الوطنية وتجنب الاحتراب الداخلي هما السبيل الوحيد لمنع تكرار تجارب ليبيا واليمن.

 

ختماً : 

القصة لم تنتهِ بعد

 

القصة السورية، لم تنتهِ بالفعل. لكنها ليست قصة فريدة بل جزء من مأساة أكبر تعيشها المنطقة العربية. التحدي الحقيقي اليوم ليس فقط في إسقاط الأنظمة القمعية، بل في بناء دول قادرة على تحقيق الاستقرار والازدهار لشعوبها.

 

نتمنى للشعب السوري الشقيق النجاح وتحقيق كل تطلعاته في العدالة والتنمية وبناء الدولة المدنية الحديثة 

 

            هذا ،،،

والله من وراء القصد

كلمات المفتاحية:

0 تعليق

أضف تعليقك

إلى الأعلى