شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم
مصطفى بن خالد
مواقف حازمة..
لكن هل تتبعها خطوات حاسمة؟
في مشهد سياسي بالغ التعقيد، إجتمع القادة العرب في القاهرة اليوم، في قمة طارئة تهدف إلى بلورة موقف موحد إزاء التصعيد الإسرائيلي الدموي في غزة.
ومع إستمرار المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وفرض حصار خانق يحرم الملايين من أبسط حقوقهم، كانت التوقعات كبيرة بأن تخرج القمة بقرارات تتجاوز حدود البيانات التقليدية إلى إجراءات ملموسة تغير معادلة الصراع.
ولكن، هل ترقى هذه القمة إلى مستوى التحديات؟ هل ستكون نقطة تحول في الموقف العربي، أم أنها ستنضم إلى قائمة طويلة من القمم التي ولدت قراراتها ميتة؟
الرفض القاطع للتهجير.. رسالة سياسية ولكن!
أكد القادة العرب في بيانهم الختامي رفضهم القاطع لأي محاولات لتهجير سكان غزة قسراً، معتبرين أن التطهير العرقي جريمة حرب لن يسمح بتمريرها عربياً ودولياً.
ولكن هل يكفي الرفض السياسي لمنع إسرائيل من تنفيذ مخططها؟
•ما هي الضمانات العملية لمنع الاحتلال من استغلال الأوضاع لدفع الفلسطينيين نحو سيناريو جديد من النكبة؟
•هل ستتحرك الدول العربية لتقديم ملف التهجير إلى المحكمة الجنائية الدولية، أم سيظل الأمر مجرد ورقة ضغط دبلوماسية؟
الموقف العربي واضح وقوي، لكن يبقى التحدي الأكبر في تحويل هذا الرفض إلى أدوات تمنع إسرائيل من فرض الأمر الواقع.
القمة العربية الطارئة في القاهرة.. هل تفي القرارات بالمطلوب؟
قرارات قوية.. ولكن ماذا عن التنفيذ؟
هل خرجت القمة بقرارات فعالة قابلة للتنفيذ؟ أم أنها مجرد بيانات تضاف إلى أرشيف القمم العربية السابقة؟
رفض التهجير وجرائم الحرب.. موقف عربي واضح
من أبرز ما ورد في البيان الختامي للقمة كان الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير سكان غزة، حيث شدد القادة العرب على أن أي خطوة من هذا النوع ستُعد جريمة تطهير عرقي وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
هذا الموقف يعتبر رسالة قوية لإسرائيل والمجتمع الدولي بأن الدول العربية لن تسمح بتكرار نكبة فلسطينية جديدة.
لكن هل هذا الرفض كافٍ؟
على المستوى السياسي، يمثل البيان خطوة مهمة للغاية، لكنه يحتاج إلى تحركات عملية، مثل الضغط على القوى الدولية لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها ومنع أي محاولة لترحيل الفلسطينيين قسراً.
إدانة إغلاق المعابر ومنع المساعدات.. ولكن أين الأدوات؟
أدان القادة العرب بشدة قرار إسرائيل إغلاق المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، مؤكدين أن ذلك يعد جريمة حرب تهدف إلى خنق الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل.
هذا البيان يعكس إجماعاً عربياً على ضرورة وقف الحصار، لكنه يثير تساؤلات حول الآليات التي سيتم إتباعها لإجبار إسرائيل على فتح المعابر.
هل سيتم اللجوء إلى مجلس الأمن؟ هل هناك استعداد عربي لاتخاذ إجراءات إقتصادية أو سياسية ضد إسرائيل في حال إستمرار إغلاق المعابر؟
إعادة إعمار غزة.. خطة مصرية تتصدر المشهد
أحد أهم النتائج الملموسة للقمة كان إقرار الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، والتي تتضمن عقد مؤتمر دولي خلال الشهر الجاري لحشد التمويل اللازم لهذه العملية.
تُعد هذه الخطوة إيجابية جداً من الناحية الإنسانية، خاصة وأن القطاع تعرض لدمار هائل بسبب العدوان الإسرائيلي، ولكن تبقى هناك تحديات جوهرية، أبرزها:
•كيف سيتم تنفيذ عملية إعادة الإعمار في ظل إستمرار القصف الإسرائيلي؟
•ما هي الضمانات لعدم تكرار سيناريوهات سابقة حيث تُهدم البنية التحتية مجدداً بعد إعادة إعمارها؟
•هل هناك توافق عربي ودولي على آلية محددة للإشراف على هذه العملية؟
إذا لم يتم حل هذه الإشكالات، فقد تتحول عملية إعادة الإعمار إلى مجرد مسكنات للأزمة بدلاً من أن تكون جزءاً من حل جذري ومستدام.
دعوة المجتمع الدولي..
ولكن هل هناك آذان صاغية؟
أكد البيان الختامي على ضرورة تحرك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل ووقف جرائمها بحق الفلسطينيين، وهو مطلب مشروع، لكن التجارب السابقة تثبت أن المجتمع الدولي لا يتحرك إلا عند وجود ضغوط حقيقية.
وهنا يبرز التساؤل:
•هل الدول العربية مستعدة لاستخدام أوراق ضغطها؟ مثل العلاقات التجارية، التعاون العسكري، أو حتى التهديد بإجراءات دبلوماسية أقوى؟
•هل يمكن تشكيل لوبي عربي أكثر تأثيراً في المحافل الدولية؟ أم سيبقى التحرك العربي في إطار الإدانات دون خطوات ملموسة؟
الالتزام بالمبادرة العربية للسلام.. هل لا تزال قابلة للحياة؟
جددت القمة التأكيد على المبادرة العربية للسلام التي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
هذه المبادرة لا تزال مطروحة منذ عام 2002، ولكن في ظل التحولات الإقليمية والدولية، يبقى التساؤل:
هل لا تزال هذه المبادرة صالحة كحل عملي؟
إسرائيل لم تلتزم بها سابقاً، والمجتمع الدولي لم يضغط لتطبيقها، فهل هناك حاجة إلى طرح رؤية عربية جديدة أكثر قوة تتماشى مع المتغيرات الجيوسياسية؟
الغياب العربي..
هل أثر على فاعلية القمة؟
رغم التوافق على القرارات الصادرة، إلا أن غياب بعض القادة العرب عن القمة أثار تساؤلات حول مدى الجدية في التعامل مع الأزمة الفلسطينية.
•هل الغياب كان بسبب خلافات سياسية؟
•هل هناك انقسامات في الرؤية تجاه إدارة الملف الفلسطيني؟
هذا الغياب وإن لم يؤثر بشكل مباشر على مخرجات القمة، إلا أنه يعكس واقعاً سياسياً عربياً لا يزال يعاني من التباينات، وهو ما يضعف أي موقف موحد يمكن اتخاذه ضد إسرائيل.
رد الفعل الإسرائيلي..
تحدٍ مباشر للقرارات العربية
لم يتأخر الرد الإسرائيلي على القمة، حيث رفضت إسرائيل البيان الختامي واعتبرته تدخلاً غير مقبول، مؤكدة تمسكها بسياساتها تجاه غزة.
وهنا تكمن المعضلة:
إذا كانت إسرائيل غير مكترثة بالموقف العربي، فما هي الخطوة التالية؟
•هل ستكتفي الدول العربية بالتنديد؟
•أم سيكون هناك تصعيد دبلوماسي أو إقتصادي لإجبار إسرائيل على تغيير سياساتها؟
النتيجة النهائية:
قرارات مهمة ولكن…
القمة العربية الطارئة في القاهرة أنتجت قرارات تحمل مواقف واضحة، لكنها تظل بحاجة إلى آليات تنفيذية حقيقية.
فبدون خطوات عملية، قد تتحول هذه القرارات إلى مجرد بيانات تضاف إلى قائمة طويلة من بيانات القمم العربية السابقة.
وهنا يُطرح السؤال الأهم:
•هل تكتفي الدول العربية بالتصريحات، أم أن لديها أدوات حقيقية لإجبار إسرائيل على التراجع؟
•هل نشهد ضغوطاً اقتصادية، سياسية، أو دبلوماسية أكثر قوة خلال الأيام المقبلة؟
النتيجة النهائية..
قرارات مهمة لكنها بحاجة إلى أدوات تنفيذية
القمة العربية الطارئة في القاهرة خرجت بموقف عربي أكثر وضوحاً في دعم الفلسطينيين، ولكن القرارات ستظل بلا تأثير إذا لم تُترجم إلى خطوات عملية.
ما المطلوب الآن؟
1- تفعيل أوراق الضغط العربية سياسياً واقتصادياً لإجبار إسرائيل على التراجع عن سياساتها العدوانية.
2- عدم الاكتفاء بالمطالبات الدولية، بل فرض المبادرات العربية على أرض الواقع.
3- إيجاد آلية عربية موحدة لتنفيذ قرارات القمة، وليس ترك كل دولة تتصرف بمفردها.
4- التحرك السريع لكسر الحصار عن غزة بطرق عملية، وليس بالاكتفاء بالإدانة الإعلامية.
ولكن.. في كل الأحوال يبقى الأمل معقوداً على الموقف المصري والأردني
في خضم هذا المشهد المتشابك، تبرز مصر العروبة والأردن كأهم طرفين قادرين على تحويل المواقف إلى خطوات ملموسة.
•مصر، بحكم موقعها الجغرافي والسياسي، تلعب دوراً حاسماً في إدخال المساعدات، وكسر الحصار، والضغط على إسرائيل عبر قنواتها الدبلوماسية والأمنية.
•الأردن، بحكم وصايته على المقدسات في القدس ودوره المحوري في الملف الفلسطيني، يمكن أن يكون جسراً لخلق تحالفات عربية ودولية تدعم القضية الفلسطينية بجدية.
بلا شك بأن هاتان الدولتان لديهما إرادة سياسية جامحة وسوف تتحركان بقوة، لذى قد تكون هذه القمة بداية لتحول حقيقي في الموقف العربي، وليس مجرد بيان يُنسى مع الزمن.
الخلاصة:
القمة العربية الطارئة في القاهرة خرجت بقرارات واضحة تدين العدوان الإسرائيلي، ترفض التهجير القسري، تدعو لكسر الحصار عن غزة، وتؤكد على إعادة إعمار القطاع ودعم القضية الفلسطينية دولياً.
لكن، تبقى هذه القرارات بلا تأثير حقيقي إذا لم تُترجم إلى خطوات عملية.
التحدي الأكبر الآن هو:
كيف ستنفذ الدول العربية هذه المخرجات؟
•هل ستستخدم أوراق الضغط الدبلوماسية والاقتصادية لإجبار إسرائيل على التراجع؟
•هل ستتحرك فعلياً لفك الحصار، وإدخال المساعدات رغماً عن الاحتلال؟
•هل ستدفع بملفات جرائم الحرب الإسرائيلية إلى المحاكم الدولية؟
في ظل غياب بعض القادة العرب والانقسامات السياسية، يبقى الأمل معقوداً على الموقف المصري والأردني، باعتبارهما الأكثر قدرة على إحداث تغيير حقيقي على الأرض.
كذلك السعوديين والخليج بصورة عامة يستطيعون التأثير على المستوى الاقتصادي والدولي.
ولا ننسى المغرب العربي والدور الجزائري الفاعل تاريخياً في نصرة القضية الفلسطينية.
الاختبار الحقيقي يبدأ الآن:
إما أن تتحول هذه القمة إلى نقطة انطلاق نحو تحرك عربي أكثر تأثيراً، للوصول إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس، أو تكون مجرد إجتماع آخر يُضاف إلى قائمة القمم التي ولدت بياناتها ميتة!
0 Comment