شذرات إستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم
مـــصـــطــفـــى بن خالد
ليست يافع مجرد قبيلةٍ يُشار إليها في وثائق النسب أو تُذكر في مدونات التاريخ، بل هي راية من الكبرياء خفّاقة فوق ذرى الجنوب اليمني، وسارية من العراقة ضربت أوتادها في قلب الزمان العربي .
يافع ليست اسماً يُتداول، بل هوية نابضة، وجبل شامخ من الإرادة، وتاريخ تَصعّد من عمق الأرض إلى أعلى قمم المجد .
من يافع بن قاول بن زيد بن ناعِتة بن شُرَحْبيل بن الحارث بن زيد بن يَريم ذي رُعَيْن الأكبر بن سَهْل بن زيد الجمهور بن قَيْس بن مُعاوية بن جُشَم بن عبد شمس بن وائل بن الغَوْث بن حَيْدان بن قَطَن بن عُرَيب بن زُهَير بن أَيْمَن بن الهُمَيْسع بن حِمْيَر بن سَبأ، تجري الدماء اليعربية في شرايين رجالها، وتحمل جبالها الشاهقة ذاكرة مملكة، وعزة سلالةٍ بنت وشادت وأضاءت أفق الحضارة من الجزيرة اليعربية إلى أعالي التاريخ الإنساني .
يافع…
ليست مجرد جغرافيا، بل حكاية شعب، وشيفرة صمود، وبوصلة انتماء، تشهد لها المعارك والعهود، والمواقف التي لا يخطئها التاريخ حين يسجل أسماء الرجال والأمم .
فيا من تبحثون عن معنى العروبة الحقة…
انظروا إلى يافع، فإنكم ترون فيها اليمن حين كان مجداً، والعروبة حين كانت شرفاً .
- نسبٌ لا يُضاهى…
يتكئ على تاج المجد الحميري
يافع ليست مجرد قبيلة، بل سلالة تتنفس من رئة التاريخ، وتنبض بأوردة الملوك وأعراق السدنة الأوائل .
ينحدر أبناؤها من سليل العرش الحميري، من يافع بن قاول بن زيد بن ناعِتة بن شُرَحبيل بن الحارث، وصولاً إلى الهُميسع بن حمير بن سبأ، الذي كان إسمه يُتلى في مجالس الحكم، وتُرفع له البيارق في مواسم السيادة .
هذا النسب لم يُدوَّن بالحبر فقط في بطون كتب النسب والتاريخ، بل كُتب في صخر الجبال، وفي ذاكرة الأرض، وعلى لسان كل من عرف معنى الكبرياء العربي .
إنه نسبٌ لا يمنح شرف الانتماء فقط، بل يُحملك أمانة التاريخ، ويضعك في مركز الملحمة اليمنية الكبرى — هناك حيث ارتفعت عروش، وسقطت إمبراطوريات، وظلت يافع واقفة كالسارية، لا تميل، لا تنكسر، لا تتنازل .
فمن رحم هذا النسب، خرج رجالٌ لا ينحنون إلا لله، وسطروا على مدى قرون حكاية الكبرياء، وشرّفوا الذاكرة اليمنية بأفعال لا تُنسى، وكأنهم من طين الملوك ونار الكرامة .
- الجغرافيا اليافعية …
حيث تعانق القمم أرواح الرجال
ليست أرض يافع مجرد رقعة على خريطة، بل جغرافيا شاهقة المعنى، سامقة المجد، تروي بلغة الجبال حكاية الكبرياء والحرية .
تقع ديار يافع في الجنوب اليمني، لكنها لا تُقاس بالبُعد والمسافة، بل تُقاس بما زرعته في الروح من صلابة، وفي القلب من عزيمة، وفي التاريخ من أثر لا يُمحى .
من مرتفعاتها الشاهقة الممتدة بين محافظتي لحج وأبين، إلى أطلالها على محافظة البيضاء ( سرو مذحج )كما تلامس عدن أبين جنوباً .
تتوزع أرضها بين منطقتين شهيرتين :
يافع العليا ويافع السفلى، وكأنها جناحان لقبيلةٍ لا تطير إلا في فضاء المجد .
لم تكن هذه الجغرافيا يوماً عائقاً، بل كانت قلعة طبيعية حصينة، حرست كيان يافع من الغزو والتبعية، وأسهمت في تشكيل ملامح شخصيتها المستقلة .
بين الصخور والوديان، وبين السهول والقمم، نحت اليافعيون ذاتهم بصبر العُظماء، واكتسبوا من صلابة الأرض إرادة لا تكل، ومن علُو الجبال همة لا تنحني .
في يافع، الأرض ليست تراباً …
بل ذاكرة .
والجبال ليست حجارة …
بل شهادة .
والموقع ليس موقعاً …
بل قدرٌ رسمته الطبيعة لأناسٍ خُلِقوا ليكونوا في الأعلى، فكراً، وخلقاً، وسيرة .
- يافع…
قبيلة الهوية الصلبة والسيادة المستقلة
في زمنٍ تكسرت فيه كثير من القبائل تحت وطأة الولاءات والتبعية، وقفت يافع كجدار لا يخترقه الخضوع، وكهويةٍ لم تُمسخ، وككيانٍ لا تُصاغ ملامحه إلا بيد أبنائه .
لم تكن يوماً ذيلاً في ركاب أحد، بل كانت رأساً في كل مشهد، وصوتاً يفرض إحترامه في مجالس الكبار .
يافع قبيلة صنعت استقلالها بيدها، وسنّت قوانينها بشيمها، وأقامت عدالتها برجالها .
لم تكن بحاجة لوصاية، ولم تستجدِ حماية، بل بنت منظومتها القبلية كدولة قائمة بذاتها، حيث يُحترم القانون العرفي، ويُنفذ الحكم برجولةٍ لا تعرف المساومة .
رفضت الانقياد الأعمى، لكنها لم تتعالى عن التحالف الشريف، وحين أختارت أن تصطف، فعلت ذلك من موقع السيادة لا التبعية، ومن موقف الكرامة لا الانكسار.
ومن هنا، تميّزت يافع بقدرتها النادرة على الجمع بين الوفاء للجذور والانفتاح الواعي على المحيط، فحافظت على شخصيتها القومية الصلبة، وواصلت نقل موروثها النبيل عبر الأجيال وكأنه شيفرة لا تُمحى من الذاكرة الجماعية .
إنها ليست قبيلة فحسب، بل نموذجٌ في الإرادة القبلية الحرة، ودليلٌ حيّ على أن السيادة لا تُمنَح، بل تُنتزع وتُصان، وهو ما فعلته يافع عبر القرون…
وستفعله ما دامت الجبال قائمة .
- رجال يافع…
صُنّاع المجد في ميادين السلم والحرب
في كل لحظة فارقة من تاريخ اليمن، كان ليافع رجالٌ يشبهون جبالها في الثبات، ويشبهون رياحها في الحسم . لم تكتفِ يافع بتدوين أسمائها في هوامش التاريخ، بل نقش رجالها حضورهم في صلب الأحداث، قادةً ومقاتلين، حكماء ومصلحين، شيوخاً وأحراراً، لا يعرفون التراجع، ولا يقايضون المبادئ بالمكاسب .
خرج من يافع رجالٌ تقدّموا الصفوف في ساحات المقاومة ضد الاستعمار، وفي خنادق الدفاع عن السيادة، وفي ميادين بناء الدولة ومؤسساتها، وكانوا دائماً السند الصادق لأي مشروع وطني حر، لا يتلوّن ولا يساوم .
في أزمنة الفوضى كانوا صوت العقل، وفي لحظات الانكسار كانوا الجدار الذي لا يسقط، وفي مسارات النهوض كانوا الرافعة التي لا تتعب .
رجال يافع لا يصنعهم الظرف، بل يصنعون الظرف ذاته . هم أصحاب مواقف لا تتبدل، وأيادي لا ترتجف حين تحين ساعة الفعل .
لقد قدّمت يافع نموذجاً متفرداً للقبيلة التي لا تُختزل في البندقية، ولا تذوب في التجاذبات، بل تختار أن تكون حاضرة حين تحتاجها المروءة، ويناديها الوطن .
إنهم ليسوا مجرد رجال…
بل مؤسسو أثر، وصنّاع بصمة، ومصدر إلهام لجيلٍ لا يزال يتعلم من صمتهم حين يشتد الضجيج، ومن صلابتهم حين يهتزّ اليقين .
- يافع …
من الجغرافيا إلى التأثير الحضاري الواسع
لم تكن يافع يوماً مجرّد رقعة على خارطة الجنوب اليمني، بل كانت دائماً فكرة تمشي على الأرض، وهوية تسافر دون أن تتنازل عن ملامحها .
خرج أبناؤها من حضن الجبال لا ليغادروه، بل ليحملوه معهم حيثما حلّوا، من حضرموت إلى عدن، ومن المهرة إلى شبوة، ثم إلى كافة أصقاع الجزيرة اليعربية، بل وصلوا إلى شرق أفريقيا والهند وإندونيسيا، لا كضيوف عابرين، بل كصُنّاع حضور، وحَمَلة إرث، وروّاد أثر .
أينما حلت يافع، سبقتها سمعتها :
بالصدق، والكرم، والوفاء، والانضباط الأخلاقي .
لم تذب في الثقافات التي دخلتها، بل تفاعلت معها بوعيٍ نبيل، يحفظ خصوصيتها ويثري محيطها .
لم تتخلَّ عن لهجتها، ولم تُخفِ تقاليدها، بل جعلت منها عنواناً للفخر ورايةً للتواصل، حتى غدت الجاليات اليافعية رمزاً للمروءة والتكافل والتماسك، ونموذجاً يُحتذى في بناء الجسور لا الجدران .
وفي المهجر، كما في الداخل، ظلّت يافع وفية لأصلها، أمينة على هويتها، حاضرةً في التجارة كما في التعليم، في العمل كما في المبادرة، متجذّرة في الأرض، ومتمددة في الأفق، بلا استعراض ولا انكسار .
فيافع ليست مجرد قبيلة انتشرت…
بل روحٌ تمددت، ومشروعٌ حضاري مشى على أقدام رجالٍ لم يغتربوا عن أنفسهم وهم في قلب الاغتراب .
- القيم والمبادئ…
صلابة الجبل وسمو السلالة
في يافع، القيم ليست شعارات تُردّد، بل سلوكٌ يُغرس، وميراثٌ يُحيا، وهويةٌ تُحمل بفخر دون ضجيج .
يولد اليافعي على عهد المروءة، وينشأ على خُلُق الوفاء، ويتنفس الكبرياء المجبول بالكرامة .
الصدق ميزانه، والولاء لقضيته بوصلة مواقفه، لا يُهادن في الحق، ولا يتنازل عن شرفه مهما اشتدّت الأعاصير .
منذ الطفولة، يتعلم ابن يافع أن حماية الجار شرف، وأن نصرة المظلوم واجب، وأن الكلمة أمانة .
تُمارس القيم هنا كما تُمارس الحياة :
بثبات، بانضباط، بصرامةٍ لا تعرف الالتواء، وبحسٍّ قبلي يغلّب المبدأ على المصالح والأشخاص .
ويافع، لمن يعرفها، ليست مجرد قبيلة ضمن خرائط السلالات، بل رؤية حضارية متجذرة في عمق الزمن، تعكس نموذجاً نادراً في إدارة الذات وحراسة المبدأ .
هيبة القبيلة لم تأتِ من كثرة عددها، بل من رُقي أخلاقها وعلوّ همّتها، ومن تلك الصلابة الجبلية التي لا تلين، والمتوارثة من ملوك وسادة الممالك اليمنية القديمة .
إنها ذاكرة الأرض حين تنطق، وصوت الجبل حين يعلو بالحق، وضمير الأمة حين تغيب البوصلة .
وفي زمن الانهيارات، تظل يافع صخرة القيم الصلبة التي لا تهتز، ومنارة الرجولة التي لا تخبو .
- الذاكرة الحية والحنين النبيل :
يافع في وجدان أبنائها
لا تغيب يافع عن قلوب أبنائها، سواء سكنوها أو حملوها معهم في حقائب الاغتراب .
هي ليست مجرد أرض تُغادر، بل وطنٌ يرافقهم في الدعاء، وفي الحنين، وفي تفاصيل الحياة اليومية .
من الأهازيج الشعبية، إلى موروث الشعر، إلى المواقف المشرفة في الغربة، تبقى يافع البوصلة التي لا تنحرف، والدفء الذي لا يخفت مهما طال البعد .
الهوية اليافعية ليست قميصاً يرتدى حين يشاء صاحبه، بل جلدٌ لا يُخلع، وذاكرة لا تُنسى .
تُغرس في القلب قبل أن تُنقش في الأوراق، وتكبر في الغربة كما في الوطن، لأن اليافعي لا ينسلخ عن أصله، ولا يتنكر لرايته، بل يُظهرها في كل محفل، بثقة العارف بمن هو، واعتزاز العرق الصافي والنسب الواضح .
ولأن يافع لم تكن يوماً قبيلة تعيش في الماضي فقط، بل تُجدّد نفسها في كل جيل دون أن تمسح ذاكرتها، فإنها اليوم تسكن ذاكرة الأجيال الشابة كما سكنت صدور الأجداد، في علاقة فريدة بين التاريخ والوجدان، بين الجذر والامتداد .
فيافع ليست مجرد مكان… بل مقامٌ لا يُفارق الوجدان، وولاءٌ لا يُقاس بالمسافات، بل يُقاس بثبات الهوية ونقاء الانتماء .
يافع …
حين يكون المجد سُلوكاً، والانتماء عقيدة
في زمن تتداخل فيه الهويات، وتُشوَّه فيه الانتماءات، تنهض يافع كأنها سيفٌ من نار، وقامةٌ من نور، وشجرة أصلها في أرض حمير وسد مأرب، وفرعها في وجدان كل من يعرف معنى الرجولة والسيادة .
لم تصنع يافع لنفسها صورةً مزيّفة، بل نحتت هويتها من صخر جبالها، ومن دماء أبطالها، ومن صدق رجالها ونساءها الذين لم يخونوا التاريخ يوماً، ولم يساوموا على المبدأ .
قبيلة يافع ليست مجرد رقم في تعداد السكان، بل معادلة أصيلة في تركيب الشخصية اليمنية اليعربية، حضورها دائم، وإن غابت عن عدسات الإعلام، وسيرتها ممدودة، وإن حاول البعض اختصارها .
يافع هي ذلك الصوت الذي لا يُجامل، والموقف الذي لا ينكسر، والتاريخ الذي لا يصدأ مهما تعاقبت الفصول .
في يافع، لا يُصاغ المجد بالكلمات، بل يُبنى بالفعل، ويُروى بالعرق، ويُصان بالعزة. ومن رحم هذه الجبال خرج رجالٌ لم يطلبوا المجد…
بل كانوا هم المجد بعينه .
تغادرهم ولا يغادرونك، تنساهم فلا ينسونك، لأنهم يعرفون أن الأصل لا يُشترى، وأن السلالة لا تُخون .
حين تُذكر يافع، يُذكر الشموخ، ويُذكر المجد، ويُذكر اليمن في أبهى تجلياته .
فيافع — لمن أراد أن يعرف — ليست مجرد قبيلة، بل روح حضارة، وعزّة جيل، وراية لا تسقط .
0 Comment