متى يرجع بابا ؟

متى يرجع بابا ؟

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

 

 

إلى من يسمّون أنفسهم “أنصار الله” :

 أفرجوا عن الدكتور علي أحمد المضواحي

 

ثمة سؤال صغير، بسيط، مؤلم، تختصره طفلةٌ تُدعى “ يُمنى ” :

متى يرجع بابا؟

 

سؤال بحجم براءة وطن مُغتصب، وبحجم وجع عائلة تسكنها الحسرة. لكنه ليس مجرد سؤال، بل صفعة على وجه من صمّوا آذانهم، وجعلوا من الكراسي الخشبية آلهة لا تُسأل ولا تُحاسب .

 

متى يرجع بابا ؟

 

إلى من يسمّون أنفسهم “ أنصار الله ” :

 أطلقوا سراح الدكتور علي أحمد المضواحي … قبل أن تسقط ما تبقّى من إنسانيتكم

 

في هذا الوطن المُنهك، حيث تُفرغ الكلمات من معانيها، ويتحول العدل إلى خطبة جوفاء، والسلطة إلى سجنٍ بلا مفاتيح …

يعلو صوتٌ بريء، صادق، لا يعرف التسييس ولا التكتيك، تسأله طفلة صغيرة اسمها “ يُمنى ”، بكل ما في البراءة من حرمان الخيبة معاً :

 

“متى يرجع بابا ؟ ”

 

سؤال لا يشبه أسئلة المؤتمرات الصحفية، ولا تقارير المنظمات، ولا تصريحات المتحدثين باسم “ الثورة ” أو “ المسيرة ” .

بل سؤال يصرخ من عمق وجعٍ خفي، ويدوّي كلكمة في صدر من يظن أن الحديد أقوى من القلب .

 

هذا السؤال، رغم بساطته، يُشبه الوطن كلّه :

مختطف، مغيّب، محاصر، ممنوع من الكلام، ممنوع من العناق، ممنوع من الأمل .

طفلة تبحث عن أبيها في الصور، وأم تبحث عنه بالدعاء، وأصدقاء يبحثون عنه في ذاكرتهم، بينما هو يقبع خلف القضبان، بصمتٍ يُشبه قبور الأحياء .

 

الدكتور علي أحمد المضواحي لم يُقاتل أحداً، ولم يُهدد سلطتكم، ولم يتاجر بالحرب، ولم يتقاسم معكم الغنائم .

جريمته الوحيدة أنه بقي، أنه خدم، أنه آمن أن الوطن لا يُترك وإن إنقلبت موازين العقل .

فهل أصبح الوفاء تهمة ؟ وهل أصبح الطب جناية ؟ وهل أصبح الصمت في حضرة الطغيان عقوبة بحجم الإخفاء القسري ؟!

 

“ أنصار الله ”، إن كنتم حقاً أنصاراً لله…

فالله لا يقبل بالظلم، ولا يُرضيه الاعتقال بلا تهمة، ولا يُبارك نظاماً يبكي فيه الأطفال كل ليلة من أجل عناق لم يأتِ .

 

فأين إيمانكم إذاً ؟

 

أكثر من عامٍ مضى على تغييب الدكتور علي أحمد المضواحي، الطبيب اليمني المعروف بمسيرته المهنية النظيفة، والخدومة، والمخلصة . 

اختار الوطن رغم كل مغريات الرحيل . 

اختار البقاء رغم ضيق الحال . 

اختار أن يكون صوتاً للإنسان، لا بندقية في خندق، ولا شتيمة على منبر .

 

لكن من المؤسف أن الوطن لا يكافئ الأوفياء فيه، بل يسجنهم .

وللأسف الأشد، أن من يدّعون “ نُصرة الله ” لم يُنصفوا حتى أبسط قيم الإنسان .

 

أكثر من عامٍ مضى، والدكتور علي أحمد المضواحي مغيّب خلف الجدران الباردة .

طبيبٌ يمنيٌ لم يعرف سوى مهنته، وواجبه، وضميره.

لم يكن تاجر حرب، ولا أمير مليشيا، ولا صانع شعارات .

 

كان وما زال طبيباً نظيف السيرة، نقيّ الموقف، حمل سماعته بيد، وترك خلفه كل الفرص والعروض مغريها ومجديها، لأنه اختار البقاء … والبذل … وخدمة الناس في زمنٍ صار فيه الرحيل هو القاعدة، والبقاء للخراب .

 

لم يختبئ خلف خطاب، ولم يعتلِ منبراً للشتائم، ولم يحمل سلاحاً في خندق .

بل حمل وجعه بصمت، ومضى طبيباً يعالج في وطن مريض .

 

لكن في بلدٍ تحكمه البندقية لا الضمير، والسجن لا القانون، والهوى لا النظام،

لا يُكافأ الأوفياء .

بل يُعتقلون .

ويُخفَون .

ويُسحَبون من حيواتهم كأنهم لم يكونوا .

 

والأدهى من ذلك، أن من يحتجزه اليوم هم من يسمّون أنفسهم “ أنصار الله ” …

لكنهم لم ينصروا لله مبدأً، ولا عدلاً، ولا إنساناً،

بل سحقوا تحت أقدامهم أبسط القيم التي يدّعون حمايتها،

ونسوا أن من ينصر الله حقًا … لا يعتقل الأطباء،

ولا يكمم أفواه الأسر،

ولا يطفئ في قلب طفلة صغيرة أملها الوحيد :

أن ترى أباها من جديد .

 

في سجون جماعة “ أنصار الله ”، يُعتقل الرجل دون تهمة، يُغيب دون محاكمة، يُسلخ من حياته، بينما يتشدق السجّانون بخطب العدل، ويملأون وسائل إعلامهم بكلمات “ الرحمة ”، و” الكرامة ”، و” الحرية ”.

أي نفاق هذا ؟

وأي قبح أن يُصبح الطبيب الشريف رقماً في ملفات الإخفاء القسري، لا أحد يملك حتى حق السؤال عنه ؟!

 

زوجته، التي لا تملك غير الدعاء، أرسلت مناشدة موجعة تذيب الصخر. لا تبحث عن عدالة كبيرة، فقط عن أبٍ يعود لابنته .

عن قلب صغير اسمه “ يُمنى ”، يتآكل كل يوم أمام سؤال يتكرر: “ متى يرجع بابا ؟ ”، دون أن تجد من يجرؤ على الإجابة .

 

في سجون جماعة “ أنصار الله ”،

لا تحتاج إلى تهمة كي تُعتقل،

ولا إلى محاكمة كي تُدان،

يكفي فقط أن تكون إنساناً لا يركع،

أو طبيباً لا يُصفّق،

أو مواطناً اختار الكرامة بصمت .

 

هناك، يُسلَب الناس من حياتهم كما تُسحب الملفات من أدراج مكاتب باهتة،

ويُغيبون في العتمة بينما يتلو السجّانون خطباً عن “ الرحمة ” و” الكرامة ” و” الحرية ” و " غزة " 

كأنهم نسوا أنهم يدوسونها بأقدامهم كل صباح .

 

أي نفاق هذا ؟

وأي بشاعة أن يتحول الطبيب النزيه إلى رقمٍ في سجلٍ سرّيٍّ للإخفاء القسري ؟

أن يُمحى إسمه من الحياة، وتُحرم زوجته من زيارته، وتُحرم أبنته حتى من السؤال عنه ؟!

 

زوجته، التي لا تحمل سلاحاً ولا تتبع حزباً،

وجهت مناشدة تنزف وجعاً لا يطاق .

لم تطلب محاكمة، لم تطالب حتى بتعويض،

بل فقط …

أبٌ يعود لطفلته .

 

لطفلة صغيرة اسمها “ يُمنى ”،

تفترش صور أبيها كل مساء،

تسأله في الفراغ: “ متى ترجع ؟”

ولا تجد سوى الصمت،

وصوت أمها المكبوت يردد :

 “ بابا في رحلة … وسيعود قريباً ”،

ثم تمضي الطفلة تبكي،

وتبكي معها العدالة .

 

هل هذه هي الدولة التي تبشرون بها ؟

دولة الخوف ؟

دولة الاعتقال بلا قانون ؟

دولة البكاء خلف الأبواب المغلقة ؟

هل هكذا تنصرون الله ؟ باعتقال الأطباء، وإهانة المخلصين، وتكميم أفواه الناس، حتى وهم يناشدون بأضعف الإيمان ؟!

 

كل من عرف الدكتور علي يشهد له بالنزاهة، بالكفاءة، بالإنسانية .

لم يكن من أمراء الحرب، ولا من عرابي الفساد، ولا من المحرضين على دم .

فلماذا إذًا يُعاقب ؟

لماذا لا يزال رهن الأسر بينما أيدي السفاحين طليقة ؟!

 

هل هذه هي “ الدولة ” التي تبشرون بها ؟

دولة يُدار فيها الناس بالخوف،

ويُختطف المواطن بلا تهمة،

وتبكي العائلات خلف الأبواب المغلقة كأنها ترتكب جريمة ؟

هل هذه هي دولتكم ؟

دولة الوجع المؤسّس، والعدالة المُعطّلة، والمشانق الباردة ؟!

 

هل هكذا تنصرون الله ؟

باعتقال الأطباء ؟

بإذلال المخلصين ؟

بكسر قلوب الأمهات، وخنق أصوات الطفلات ؟

هل هذا هو “ العدل الإلهي ” الذي جلبتموه لنا من غياهب الجب و ترفعونه فوق المنصات ؟

أم أنه مجرد عباءة لتغطية سواد لا يحتمل النور ؟

 

الدكتور علي أحمد المضواحي ليس خصماً سياسياً، ولا تاجر سلاح، ولا فاسداً ينهب المال العام.

هو طبيب .

طبيب وكفى .

نظيف السيرة، مشهود له بالكفاءة، لم يُسجَّل عليه يوماً سوى حضوره الإنساني، وصوته المهني، ووفائه لوطنه .

 

فلماذا يُعاقب ؟

لماذا يُسجن من لا جريمة له،

بينما اللصوص الطلقاء يبنون القصور من وجع الناس ؟

لماذا تُكافأ الخيانة بالمناصب،

ويُحاكم الشرفاء بالصمت ؟!!!

 

إلى قيادة جماعة “ أنصار الله ” :

إن كان في شعاراتكم شيء من العدالة،

فابدأوا بها الآن .

ابدأوا بالإفراج عن الدكتور علي أحمد المضواحي.

طبيب لا يستحق السجن،

وإنما التكريم .

 

وإن بقي فيكم من يقرأ هذه الكلمات وله قلب،

فليعلم أن الطفلة “ يُمنى ” لا تطالب بمحاكمة،

ولا تفهم في البيانات والبيارق،

كل ما تريده … عناق .

 

وأن زوجته لا تحمل سلاحاً،

بل صبراً يكاد يتشقق من الانتظار .

 

وأننا لا نكتب اليوم من أجل التحريض،

بل لأن الصمت أصبح شراكة في الجريمة،

ولأن بقاء المظلوم خلف القضبان

وصمة في جبين كل من يستطيع أن يُنهي هذه المأساة … ويسكت .

 

الحقيقة :

أن حرية الدكتور علي أحمد المضواحي، لم تعد قضية عائلية تخص زوجته وابنته فقط،

بل تحولت إلى مرآة صارخة تكشف ما وصلنا إليه من انحدار …

حالة قاسية من التسلط،

واستهانة فجة بكرامة الإنسان،

واعتباطٌ في مصادرة الحريات …

حتى بات الطبيب سجيناً،

والقاتل حُرّاً،

والمناشدة تُعد جريمة،

والدموع تُقمع كأنها تمرد .

 

إن إستمرار اعتقال الدكتور علي دون تهمة، هو إهانة لما تبقى من قيمة في هذا البلد،

وكل يوم يمر عليه خلف القضبان،

هو طعنة في قلب العدالة،

وسقوط جديد في هاوية لا تليق ببلد إسمه اليمن .

 

أعيدوا هذا الرجل لعائلته .

دعوا طفلة ترى أباها مجدداً .

دعوا قلباً أمومياً يهدأ .

وكفّوا عن إختطاف من تبقّى لهذا البلد من شرفاء .

 

لأن يُمنى تسأل، ولأننا نملك ضميراً… نكتب.

ولأن الظلم لا يُمحى بالصمت … نصرخ .

أطلقوا سراحه … فالحرية ليست منحة منكم، بل حقٌ سلبتموه .

 

#الحرية_لعلي_المضواحي

#متى_يرجع_بابا

Keywords:

0 Comment

Add Your Comment

Back Top