عزيزة عبدالله أبو لحوم … زهرة سبتمبر

عزيزة عبدالله أبو لحوم … زهرة سبتمبر

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

 

 

حين تُولد المرأة من قلب الأسطورة، وتمشي بثوب الحكاية إلى قلب الثورة

 

في بلادٍ كانت النساء فيها يُخفين عقولهن تحت عباءات الصمت، ويمشين بحذرٍ على أطراف المعنى، وُلدت عزيزة عبدالله أبو لحوم لا كظلّ لشيخٍ، ولا كوريثة لاسمٍ قبليّ، بل كأنشودةٍ مبكرة خرجت من قلب اليمن، تُنشد للمستقبل قبل أن يُفتح بابه .

 

لم تأتِ هذه المرأة من هامش الخرافة، بل من متنها؛ من أرضٍ كانت تلد الملكات والمجد والنخل والعنفوان في آنٍ واحد، وتترك لبناتها خيارًا واحدًا : 

أن يُصبحن أسئلة لا إجابات جاهزة .

 

في زمنٍ كانت الكلمات تُكال للرجال، والفضاء يُقسم بين عمائم السياسة ومآذن السلطة، اخترقت عزيزة هذا العرف بيدٍ من طباشير، وصوتٍ من ضمير، ومشت نحو التاريخ لا على قارعة المجد، بل من داخله، تُرمم صخرته بأناملٍ ناعمة، وتُدوّن بالخفاء ما عجز الصخب عن قوله .

 

ليست عزيزة حكاية امرأة فقط، بل إشارة مبكرة أن الوطن الحقيقي يُقاس بمقدار ما يُنصف نساءه .

 وأن الثورة التي لا تفتح بابها للأمهات، والأديبات، والمربيات، تشيخ في مهدها، وتضلّ الطريق .

 

حين لا تنتظر المرأة مفاتيح الحرية … 

بل تولد بها

 

في زمنٍ كانت البنات يُخفين أحلامهنّ تحت أكمام العباءات، وإن كتبن، كتبن على الرمل؛ وإن تعلّمن، تعلّمن الصمت …

وُلدت عزيزة عبدالله أبو لحوم لا كامتدادٍ لصوتٍ نسائيٍ خافت، بل كخلخلةٍ مبكّرةٍ في هندسة الصمت اليمني .

 

وُلدت في قلب القبيلة، نعم …

لكنها لم تكن ابنة الجدران، بل ابنة الأسئلة .

تربّت على تخوم الثورة، لا كشاهدةٍ على ضجيجها، بل كأحد إفرازاتها الأولى، فصارت لاحقًا الصوت غير المُعلَن لجمهورية كانت تتلمّس أنفاسها الأولى .

 

لم تكن “ صوتًا نسائيًا ” كما يُعرّف اليوم، بل كانت كُليّة ناطقة باسم القيم المختبئة في ضمير الوطن الذي يصنع الملكات ثم يتنكّر لهنّ .

 

إنها من أولئك النساء اللواتي لا تُدوّنهنّ المناهج الرسمية، ولا تُعلّق صورهن في دهاليز المؤسسات، لكنّ أثرهنّ يتسلّل خلسة إلى بنية الذائقة، وإلى نُبل الوعي الجمعي حين يكون حيًّا .

 

عزيزة، ببساطة، لم تكن مشروع امرأة عظيمة … بل تجسيدًا حيًّا لليمن الذي حاول أن يكون عظيمًا، فخذلته الذكورة .

 

البيت السبتمبري : 

حيث كانت البنات يُولدْنَ أحرارًا، لا يُحرَّرن

 

في قلب صنعاء القديمة، حيث كانت البنات يُلقَّنَّ القرآن خِفيةً، كما لو أن الحفظ جرم مؤجَّل، وحيث الأحلام تُخبّأ تحت أغطية الطاعة الأسرية، وُجد بيتٌ شذّ عن السياق … بيتٌ كان يُعلّم بناته أن الحرية لا تُمنَح، ولا تُنتَزع، بل تُزرَع في الداخل كيقين لا كرجاء .

 

في ذلك البيت — بيت الشيخ السبتمبري عبدالله بن حسين أبو لحوم — لم تكن الفجرات تبدأ برائحة القهوة، بل بخطى عزيزة وهي تمضي إلى “مكتب الزُمُر”، المدرسة التي لم تكن مجرّد مبنى، بل أول فضاء يسمح لعقلٍ أنثوي أن يعلن وجوده بلا إذن، بلا خجل، وبلا قفازات لغوية .

 

هناك، في فناء المدرسة، لم تكن “المدرسة” جغرافيا تربوية، بل نافذة على عالمٍ تُدرّب فيه الطفلة اليمنية نفسها على أن تكون كريمة بعقلها، لا فقط بسترها .

 

كانت الطفلة الوحيدة بين صفوف الأولاد، لكنها لم تشعر بالوحشة … فالبيت الذي خرجت منه لم يُربِّها على الخضوع، بل على أن الضوء لا يطلب الإذن كي يدخل، بل يفرض حضوره .

في بيتها، لم تُعلَّم البنات أن يتوارين خلف الجدران … بل أن يُضيئنها .

 

من المنفى إلى المعنى …

حين يُربّي المناضلُ بناته على الحُرية لا على الطاعة

 

وُلدت عزيزة في بيتٍ لم يكن مجرد امتدادٍ للقبيلة، بل من أعمدة الحلم الجمهوري الوليد .

 نشأت في حضن والدها، الشيخ عبدالله بن حسين أبو لحوم، الرجل الذي لم يكتفِ بمصافحة التاريخ في ثورة 1948، بل دفع ثمن الحُلم من جسده وحريته ومنفاه .

 

وحين زُجّ بالرجل إلى حجة، لم تكن الإقامة الجبرية عزلةً، بل لحظة تخمّر نادرة لقناعات أكثر جذرية .

عاد من منفاه لا بمرارة الخسارة، بل بنُضج المراجعة .

عاد لا ليُكمل ما كان، بل ليبدأ ما يجب أن يكون .

 

ولم يُعلن ذلك في خطبة سياسية ولا بيان ثوري، بل في قرار بسيطٍ … وجذري :

أن تبدأ بناته من حيث انتهت الأمهات المكبوتات — من عتبة المدرسة، لا من عتبة ( الديمة ) المطبخ .

 

وهكذا، لم تكن عزيزة مجرد طفلة متميّزة في عائلة عريقة، بل كانت نواة الثورة الصامتة التي أعاد والدها إطلاقها، لا في ساحات المعارك، بل في هندسة الوعي داخل جدران البيت الجمهوري الأول .

 

المرأة التي لم تحتج إلى “ النسوية ”…

لأنها كانت سابقةً لها

 

لم تكن عزيزة أبو لحوم بحاجة إلى أن ترفع لافتة “ النسوية ”، ولا أن تُقحم ذاتها في تجاذبات الحداثة اللغوية المستوردة، لأنها ببساطة كانت تعيش جوهر المعنى قبل أن يُغلف بالمصطلح، وتمارس الحقيقة قبل أن تتحوّل إلى موضة تُباع في منتديات الخطابة .

 

لم تطلب المساواة من فوق المنصّات، بل فرضتها بالفعل حين مشت، وحيدة، إلى مدرسة الأولاد، في زمنٍ كانت فيه الفتاة تُعاقَب إذا فكّرت، وتُدان إذا قرأت .

كانت ابنة المشيخة التي لم تكتفِ بكسر القيد، بل هدمت الجدار الصامت بين عقل الأنثى وساحات الفعل .

 

وحين كتبت، لم تكتب من مكاتب ناعمة، ولا تحت أضواء المؤتمرات الفاخرة، بل كتبت من لحم التجربة، من نزيف الخيبة، من صلابة الولادة الفكرية الذاتية .

 

من قلب امرأة يمنية لم تطلب أن تكون بطلة … بل إنسانًا كاملًا لا ظلًّا لهيكلٍ اجتماعي صُنع على عجل .

 

لم تكن “ نسوية ” وفق مقاييس الإعلام المعاصر، لكنها، بكل المعايير الوجودية العميقة، امرأةٌ سبقت سؤال النسوية وأجابت عنه بالفعل لا باللافتة :

“ أنا هنا… وسأكون .”

 

صوتٌ ما بين السطور …

حين تبني المرأة الوعي بصمتٍ لا يطلب التصفيق

 

في بلدٍ اعتاد أن يسلّط الضوء على الطارئين، ويهمل الجذور … وفي مشهدٍ نخبويٍ خجول من الاعتراف بالنساء اللواتي يصنعن المعنى بلا ميكروفونات، اختارت عزيزة أبو لحوم أن تشتغل من الهامش، وهي تدرك أن الهامش أحيانًا هو بؤرة الفعل الأكثر نقاءً .

 

لم تحتج إلى المزايدة، ولا إلى خطابات الاستعراض .

بل مارست الفعل التأسيسيّ بهدوء الواعيات :

تُربّي لا لتُكرّم، وتُعلّم لا لتُصفّق، وتكتب لا لتُقتبس …

بل لتورِّث فكرةً نقية تتسرّب إلى وعي الأجيال كما يتسلّل النهر في شقوق الجبال .

 

في صمت النخبة، حين ضاعت البوصلة بين التزييف والانتهازية، بقيت هي تعمل كظلّ جمهوريٍّ نبيل : 

لا يُرى كثيرًا، لكنه يُظلّل العمق .

في البيوت، في المدارس، في ضمير طبقة كادت أن تنسى المعنى الحقيقي للامتياز … الامتياز الأخلاقي، لا الطبقي . والامتياز الفكري، لا الوراثي .

 

السيدة الأولى من خلف الستار …

حين تكون المرأة بوصلةً لا تابعًا

 

لم تكن عزيزة أبو لحوم يومًا اسماً مُلحَقًا برجل سلطة .

لم تكن “ زوجة رئيس حكومة ” بالمفهوم البروتوكولي السائد، بل كانت القرينة النادرة التي تُعادل الدولة أخلاقًا وضميرًا، وكانت سقفًا داخليًا يصون السياسة من الانزلاق إلى الرداءة .

 

في زمنٍ كانت فيه السلطة اليمنية تتشكل من خليطٍ غامض من الطموح والصفقات، وبين صعودٍ ناعم وهبوطٍ صاخب، كانت عزيزة تعمل كضابط نغمة داخليّ لا يُرى، لكنه يسمع في النبرة، في القرار، في اللغة التي تُقال ثم تُصاغ من جديد على ضوء بصيرتها .

 

لم تكن تقترب من الضوء، بل كانت الضوء الكامن خلف الكواليس .

لم تحتج إلى المايكروفون، لأنها امتلكت نبرةً تسمعها القلوب قبل الآذان، وكانت تدرك — ببصيرة النساء العظيمات — أن التأثير لا يُقاس بالحضور، بل بقدرة المرأة على تعديل المسار حين يضلّ، وعلى صون الكرامة حين تُهدد .

 

كانت الموقف قبل أن تكون الرأي، والبوصلة قبل أن تكون الرفيقة، وميزان رجل الدولة حين يغريه الثقل، ويُنسيه العلوّ ما تحت قدميه .

 

لذلك، حين يُكتَب عنها، لا يجوز اختزالها في لقبٍ عابر، بل ينبغي استعادتها كضميرٍ مواكب للسلطة الجمهورية، حين كانت السلطة لا تزال تحاول أن تتطابق مع ذاتها .

 

امرأةٌ في قلب السلطة … 

لا تذوب، بل تُهذّب

 

في يمنٍ كانت السلطة فيه تُنحت بأدوات الذكورة، وتُدار بعضلات الغلبة لا بأصابع الحكمة، كانت عزيزة أبو لحوم تحضر كخرقٍ ناعم للمعادلة، وكضوءٍ دافئٍ لا يُبهر، لكنه يكشف الزوايا المعتمة في الغرف العليا .

 

لم تكن تابعة في بلاط السياسة، ولا ظلًا ممتدًا من هالة الرجل، بل كانت الضمير الذي يسير على أطراف القرار، يراقب دون استعراض، ويهذّب دون ضجيج .

 

لم تسكن في الواجهة، لكنها كانت اليد التي تُعيد ترتيب كراسي الضمير في الكواليس .

لم تلتحق بالخطابات، بل كانت تُراجع النصوص خلف الستار، وتضع فاصلةً في جملةٍ قد تُشعل فتنة، أو تمحو وطناً .

 

رفضت أن تكون ديكورًا جمهورياً، لأنها ببساطة كانت جمهوريةً أخلاقيةً قائمة بذاتها، وكانت تعلم — بحكمة النساء اللواتي يفهمن اللعبة ولا ينجررن إليها — أن النفوذ ليس في السلطة، بل في الحق الذي يُهذّبها .

 

هكذا، صاغت عزيزة دورها الفريد :

أن تكون سلطة توازي السلطة، لا لأنها تملك، بل لأنها تعرف … ولا لأنها تصرخ، بل لأنها تُبقي المعنى حيًّا في صمتٍ لا يُشترى .

 

الكتابة كفعل إنقاذ … 

سيرةٌ لا تزال تنتظر عدالة الضوء

 

لم تكن عزيزة عبدالله أبو لحوم مجرّد ابنة نسبٍ همداني رفيع أو اسمٍ عابر في شجرة السياسة والثقافة، بل كانت كاتبةً تسلّلت إلى الوعي اليمني كما يتسلّل النور من شقوق الجدران القديمة .

 

كتبت كما لو أن الكلمات طينٌ تُرمّم به صدوع البلد …

كتبت عن الطفولة، لا بوصفها مرحلةً، بل بوصفها مهدًا للمواطنة .

عن الأسرة، لا كمجموعة بيولوجية، بل كـ” أكاديمية حريّة ” تُدرّس الصمود والكرامة .

عن الوطن، لا كجغرافيا، بل كوجعٍ حميمٍ ينبض في صفحاتها كنبض القلب بين ضلوع القصيدة .

 

لقد روت اليمن من داخله، لا من أعمدته الرسمية، بل من نسيجه الممزق، من شرفاته المهجورة، من غرف النساء اللواتي يحرسن المعنى في صمت البيوت .

 

لكن، على الرغم من عمقها الأدبي واتساع رؤيتها الفكرية، لم تُنصفها الكتابة النقدية كما ينبغي، ولا تمتلك سيرتها حتى الآن ذلك الإطار التأريخي الذي يليق بامرأةٍ كتبت مستقبل بلادها من حبر روحها .

 

وهنا، لا نتحدث عن واجب تأريخي فحسب، بل عن ضرورة وطنية :

أن يُعاد تقديم عزيزة، لا كاسم أنيق في ركن الأرشيف، بل كركيزة جوهرية لفهم المعنى الخفي للجمهورية، وللذائقة، وللمرأة اليمنية حين تكون الضمير والذاكرة معًا .

 

إنها ليست مجرد سيرة تُكتب، بل أمانة تُستعاد، وذاكرة يجب أن تُنقذ من بلادة النسيان .

 

أثرها في الأجيال :

 المرأة التي مرّت في حياة اليمنيين دون أن تطرق الأبواب … لكنها دخلت إلى الوعي

 

في كل جيل يمنيّ جديد يبحث عن المعنى وسط الخراب، ثمّة نساء مجهولات الهوية العلنية، لكنّهن معروفات التأثير . 

عزيزة أبو لحوم واحدة من هؤلاء — امرأة لم تصنع ضجيجًا، بل تركت أثرًا صامتًا في البنية الذهنية لأجيال كاملة .

 

بنات كثيرات تعلّمن، وتجرّأن، وكتبن، وتحدّثن … دون أن يعرفن أن طريقهن قد شقّته امرأة كانت تسبق زمانها، وتفكك جدران “ المستحيل الاجتماعي ” منذ منتصف القرن الماضي .

 لم تكن عزيزة تُدرّس في الجامعات، لكن روحها كانت تُعلّم في صمت عبر التربية، والمثال، والكتابة، والموقف .

 

لم تُطلق مشروعًا مؤسسياً لتعليم الفتيات، لكنها زرعت أول فكرة في قلب الأسرة اليمنية بأن البنت لا تُربى لتُزوّج، بل لتُفكّر، وتُصيغ، وتُساهم .

 

هكذا تنبني الهويات العميقة :

 لا عبر الندوات، بل عبر التجسيد الصامت لفكرة نبيلة تُمارسها امرأة تعرف أن التأثير الأصيل لا يحتاج إلى إعلان، بل إلى استقامة داخلية تُعدي كل من حولها .

 

 “ إنّ عزيزة لم تطرق الأبواب بصوتها، بل تركتها مواربةً لأجيالٍ ستدخل منها، وتظن أنّ الطريق فُتح من تلقاء ذاته . "

 

الخلاصة :

 

من يُعيد نساء الثورة إلى مقاعد الرواية ؟

 

في وطنٍ مأخوذٍ بعناوين القوة، حيث يتزاحم الرجال على تصدّر المشهد، غالبًا ما تتوارى وجوه النساء الحقيقيات اللواتي صنعن المجد بلا طبول، وحرثن الأرض بأظافر الطين، لا بأدوات الاستعراض .

 

وفي فوضى السرديات، حين يتكفّل الضجيج بإعادة إنتاج البطولات الزائفة، يضيع أثر أولئك اللواتي كنّ نبض الثورة الخفي، ولغتها الصامتة، وجذورها التي لم تُرفع يومًا كشعارات، لكنها ظلّت تُنبت المعنى .

 

عزيزة عبدالله أبو لحوم ليست استثناءً يُستعاد لمجرد التحية، بل ضرورة تُستعاد لتصحيح الخلل في هندسة الذاكرة الوطنية .

 هي من تلك النماذج التي لا يُنصفها التاريخ حين يُكتب بالعاجل، بل يُنصفها حين يُكتب بضمير الصحافة النزيهة، وبحبر الوفاء لا حنين العابرين .

 

وإن كنا نُطالب الدولة أن تُكرّمها، فعلينا نحن، أبناء الكلمة، أن نكرّمها أولًا : 

بأن نكتب عنها كما كانت، لا كما يُناسب الحنين … امرأةً نادرة، سابقة، ومؤسسة لما يجب أن يكون عليه اليمني حين يكون نبيلاً .

 

" لأن من لا يكتب عن النساء اللواتي ربّين هذا الوطن، لا يستحق أن يكتب تاريخه ."

 

عزيزة … 

حين تكون المرأة مرآة الوطن النبيل

 

ليست عزيزة عبدالله أبو لحوم مجرد سيرة تُروى، بل مرآة لوطنٍ كان يحاول أن يكون نفسه بلا تشوّه، وبلا تنكّر لنسائه . 

إنها تنتمي لذلك اليمن العميق، اليمن الجمهوري، لا بالشعار فحسب، بل بالجوهر .

 اليمن الذي كانت النساء فيه شريكات في الحلم، لا ضحايا للتاريخ .

 

في حضورها، نلمح صورة اليمن النبيل حين كان يرى في الأنثى طاقة بناء لا عبئًا ثقافيًا .

 وفي غياب صوتها، نستشعر كم خسر هذا الوطن من رقيّه، حين استبدل النساء بالحروب، والثقافة بالصراخ، والشيم والقيم والاعراف، بالمذاهب الدينية المتناحرة، والجمهورية بالمصالح .

 

عزيزة ليست من الماضي، بل من اليمن الذي نُطالب بعودته . 

يمنٌ يحتفي بنسائه لا حين يُريد أن يُجمّل صورته، بل حين يُقرر أن ينهض حقًا .

 

إنها امرأة خرجت من صُلب اليمن الحضاري العميق — ذلك الذي توّج النساء ملكات، لا من هوامشه الهشة .

من يمنٍ جمهوريٍّ حالم، سياديٍّ في رؤيته، تقدّميٍّ بطبعه، كان يعرف أن احترام النساء ليس منّة، بل مقياسٌ لليقظة الحضارية .

 

ذاك هو اليمن، الذي كلما تنبّه لجوهره، أنصف نساءه فارتقى؛ وكلما خان ذاته، أزاحهن من المشهد، فسقط في مستنقع الصراع والفراغ .

 

يتبع

Keywords:

0 Comment

Add Your Comment

Back Top