الصومال الشقيق: كنزٌ استراتيجيّ ضائع بين لعنة الجغرافيا وغياب العرب

الصومال الشقيق: كنزٌ استراتيجيّ ضائع بين لعنة الجغرافيا وغياب العرب

شذرات إستراتيجية

بسم الله الرحمن الرحيم 

مـــصـــطــفـــى بن خالد

لم يكن الصومال يوماً دولة هامشية في معادلات الجغرافيا السياسية، لكنه تحوّل — بفعل الإهمال وسوء التقدير — إلى إحدى أخطر بؤر الاختراق الاستراتيجي في العالم. 

 

فالدولة التي تمتد بساحل يتجاوز 3300 كيلومتر، وتُشرف مباشرة على المحيط الهندي وخليج عدن، وتقف عند بوابة مضيق باب المندب، تمثل في حقيقتها عقدة السيطرة على شريان التجارة العالمية بين الشرق والغرب.

 

ومع ذلك، ارتكب العرب خطأً استراتيجياً قاتلاً، حذرنا منه مراراً وتكراراً، حين تركوا الصومال لأكثر من ثلاثين عاماً غارقاً في الفوضى والحروب الأهلية والتشظي السياسي، وتعاملوا معه كملف إنساني ثانوي، لا كركيزة من ركائز أمنهم القومي.

 

 

الموقع الذي يصنع الدول… أو يدمّرها

 

يقع الصومال في قلب ما يسميه خبراء الجيوبوليتيك بـ"مثلث الضغط البحري":

البحر الأحمر – باب المندب – المحيط الهندي.

 

هذا الموقع يمنح من يملك النفوذ عليه القدرة على:

 • التأثير في حركة ما يزيد على 12% من التجارة العالمية.

 • تهديد طرق النفط والغاز القادمة من الخليج.

 • الضغط غير المباشر على قناة السويس، شريان الاقتصاد المصري.

 • مراقبة وتقييد الملاحة العسكرية والتجارية في البحر الأحمر.

 

إنها جغرافيا لا تسمح بالفراغ. 

فحين يغيب اللاعب الطبيعي، يتقدم لاعب آخر لملئ المساحة.

 

 

الإهمال العربي: من التقصير إلى التفريط

 

منذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991، انسحب الحضور العربي تدريجياً:

 • غاب الاستثمار الثقافي والسياسي طويل الأمد.

 • انعدم المشروع التنموي الحقيقي.

 • تُركت السواحل بلا حماية.

 • تُركت الانقسامات الداخلية تتعمّق بلا وساطة جادة.

 

وفي السياسة الدولية، لا يُكافأ الغياب، بل يُستبدل.

 

فتح هذا الفراغ الباب أمام:

 • قوى دولية كبرى.

 • قواعد عسكرية أجنبية في محيط الصومال.

 • تنافس استخباراتي صامت.

 • وأخيراً… تحركات إسرائيلية محسوبة.

 

 

إسرائيل تلتقط الإشارة

 

بحسب تصريحات ومؤشرات متداولة في الإعلام العبري والغربي، فإن إسرائيل رأت في الواقع الصومالي فرصة استراتيجية نادرة:

 • كيان هش.

 • انقسام داخلي.

 • موقع لا يُقدّر بثمن.

 • غياب عربي شبه كامل.

 

ومن هنا جاءت خطوة الاعتراف بـ"صومالي لاند"— و السعي لتكريس علاقة رسمية معها — باعتبارها مدخلاً ذكياً وناعماً إلى واحدة من أخطر النقاط الجيوسياسية في العالم.

 

وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة إلى أن سياسة إسرائيل الخارجية تقوم على:

 

" توسيع دوائر التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي والاقتصادي مع أطراف جديدة خارج الدائرة التقليدية ".

 

وهو تصريح لا يمكن فصله عن التحركات في القرن الإفريقي.

 

 

ما الذي تريده إسرائيل فعلياً؟

 

الحديث لا يدور فقط عن اعتراف سياسي رمزي، بل عن حزمة مصالح استراتيجية محتملة، من بينها:

 • إنشاء أو استخدام مراكز استخباراتية متقدمة لمراقبة البحر الأحمر والدول العربية.

 • تسهيلات عسكرية و لوجستية قرب باب المندب.

 • شراكات أمنية بحرية تحت عناوين مكافحة الإرهاب والقرصنة.

 • نفوذ غير مباشر على أحد مفاتيح أمن اليمن ومصر والسعودية.

 

إنه نموذج إسرائيلي معروف:

التغلغل الهادئ بدل الصدام المباشر.

 

 

التداعيات على الأمن العربي

 

إذا تُرك هذا المسار دون ردّ عربي منظم، فإن تداعياته ستكون عميقة:

 • تهديد مباشر لأمن البحر الأحمر.

 • ضغط استراتيجي على قناة السويس.

 • تطويق جيوسياسي لليمن والسعودية ومصر وعمان والسودان والأردن.

 • تدويل إضافي للقرن الإفريقي على حساب العرب.

 

والأخطر من ذلك: تحويل الصومال من عمق عربي وإفريقي إلى منصة نفوذ معادٍ.

 

 

الخلاصة: الجغرافيا لا تنسى… لكنها تعاقب

 

الصومال ليس دولة بعيدة، ولا أزمة منسية، بل مرآة لفشل عربي استراتيجي طويل الأمد.

 

وما تقوم به إسرائيل اليوم — بذكاء وهدوء — هو استثمار مباشر في هذا الفشل.

 

الوقت لم يفت بعد، لكنه لم يعد يسمح بالتأجيل.

ففي عالم السياسة، من يتأخر في فهم الجغرافيا… يدفع الثمن في الأمن.

Keywords:

0 Comment

Add Your Comment

Back Top